أؤمن أن الدين هو إسلام القلب لله أياً كان مسمى العقيدة. وأتيقن بتراكمية الدين بفهم المصطفى (صلوات ربى عليه وسلامه) بأنه كان لبنة فى جدار سبق بناؤه برسل الله ورسالاتهم. وأدرك حجم الفتن المحيطة بنا لفساد البشر فالنفس أمّارة بالسوء. وأعرف أنه لا صلاح لحالنا إلا بترك الهوى وإعمال العقل والضمير.
ومن هنا دعونا نتأمل بهدوء قضية ميراث المرأة المثارة مؤخراً بين مؤيد ومعارض بعد قانون تونس بمساواة الرجل والمرأة فى الميراث. وتلك المعركة الناشبة فى مصر بين د.سعد الدين هلالى وما يمثله من آراء البعض من جانب، وبين الأزهر ومشايخه من جانب آخر. فالقضية لا تعبر عن اختلاف الرؤية للنص القرآنى وحسب، ولكنها تشير لحاجتنا لما هو أكبر من حسمها لذلك الرأى على حساب الآخر. وبادئ ذى بدء فأنا لست مع جانب ضد آخر ولكننى فقط ساعية لطرح تساؤلات علها تمنحنا رؤية أو بصيرة لما يجب أن تتجه نحوه خطانا.
قال الرأى المؤيد لقانون تونس بالمساواة بين الرجل والمرأة فى الميراث إن أحوال المجتمع تتطلب ذلك وإن ما فعلته تونس تحضُّر لن نبلغه إلا بعد سنوات. بينما قال الرأى المعارض إن ما حدث مخالفة صريحة للنص القرآنى الذى قال «للذكر مثل حظ الأنثيين». والحق أقول إننى شعرت بالصدمة للقانون أول سماعى له فتلك حدود محسومة. ولكننى توقفت مع نفسى متسائلة: ألم يقرر الفاروق عمر بن الخطاب وقف العمل ببند «المؤلفة قلوبهم» فى توزيع الصدقات المنصوص عليه فى القرآن صراحة بعد عامين من وفاة الرسول وتوليه شأن إمارة المسلمين؟ ألم يرَ أن منح بعض الأشخاص أموالاً تميزهم عن بقية المسلمين -إما لضعف إيمانهم أو لأنهم من نخب المجتمع- وضع انتهى زمنه بعد أن قويت شوكة المسلمين وباتوا أسياداً لشبه الجزيرة العربية؟
نعم، فعلها عمر بن الخطاب.. وأرجوكم ألا تقولوا هذا عمر ولن يأتى مثل عمر. فإن كان محمد بن عبدالله بشراً نذيراً، فالأولى أن نعترف بآدمية صحابته وبأنهم ليسوا مقدسين بل اجتهدوا فيما قدر لهم. وبالتالى فبالقياس إن كان فعلها عمر بعد السنة الثانية عشرة من الهجرة وفكر فى صلاحية حكم قرآنى لزمانه، أوَليس الاجتهاد فرضاً على علماء تلك الأمة لدراسة ما يُصلح حال العباد؟ فإذا كان التفسير قد استكان لمنطق أن المرأة نصف الرجل فى الميراث لمسئولية الرجل عنها وعن الإنفاق عليها، أفلسنا اليوم أمام واقع يقر أن نحو ثلث الأسر فى المجتمع تعولها نساء وأن غالبية المجتمع تحيا على دخل المرأة والرجل وبالتالى انتفى منطق التمييز للميراث كما انتفى مبدأ التخصيص للصدقة؟
كنت أتمنى أن يجلس الأزهر ورجاله فيتناقشوا بشفافية ومنطق وعلم دون تعصب لرأى مسبق ليخرجوا علينا بما اجتمعت عليه نقاشاتهم حتى وإن اختلفوا ودون إهانة لطرف على حساب طرف. وكنت أتمنى أن يخرج شيخ الأزهر داعياً لمؤتمر يعقد فى مصر لكل رجال الفتوى فى العالم لمناقشة قضايا باتت ملحة ولا يجوز فيها السير وراء اجتهادات من سبقونا شريطة أن يغلقوا عليهم أبواب اجتماعهم فلا يخرجوا للإعلام متناحرين ولكن مفكرين مجددين. فى ظل إطلاق أوصاف على الإسلام البرىء من فعلنا، وكان مؤخرها ما سمّوه فى ألمانيا مبادرة الإسلام العلمانى! لينضم لأوصاف «الراديكالى» و«السنى» و«الشيعى» و«المتطرف» التى ألصقوها زوراً بدين كان إسلاماً وفقط. فهل من مستمع ومجيب؟ أم تأخذنا العزة بالإثم ونترك أجيالاً صرعى خلافنا؟