ليس مستغرباً أن تعيد الدولة، عبر البنك المركزى أو وزارة المالية، النظر فى الإجراءات المرتبطة بعملية الإصلاح الاقتصادى، ذات المذاق المر.
ليس مستغرباً أن يقرر السيد وزير المالية استحداث سعر جديد للدولار الجمركى، يحسب بالقيمة المعلنة من البنك المركزى للجنيه المصرى أمام الدولار الأمريكى، للسلع غير الأساسية الواردة من الخارج، على حد وصف السيد وزير المالية!
السيد الوزير قال إن قراره استهدف صالح الصناعة الوطنية، وأدرج مجموعات من المنتجات كاملة الصنع ضمن حزمة السلع التى سيتم احتساب الجمارك المستحقة عليها بسعر صرف الدولار، المحدد من البنك المركزى، والذى يزيد من تكلفة هذه السلع ومن ثَم سعر بيعها -حتى اليوم- بنحو 11% أو يزيد قليلاً!
أكرر أنه ليس مستغرباً أبداً تكرار المحاولات الساعية لإخراجنا من المعضلة الاقتصادية التى نعانيها منذ عقود، فالمفترض والمنتظر أن الخطة «الصعبة» لإصلاح حال الاقتصاد تحتاج إلى المراجعة بين الحين والآخر، وتحتاج التدقيق وبتعمّق فى أداء الاقتصاد من مختلف النواحى، لإحداث تصويبات أو تعديلات لأية سلبيات قد تتسبب فيها خطة الإصلاح الاقتصادى. ومع كل التفهُّم لجميع محاولات تصويب مسار الاقتصاد، كنت أتمنى على السيد وزير المالية ألا يتعمد إعلان قراره عصر يوم الجمعة، كنت أتمنى أن يعلن السيد الوزير ضمن مبررات قراره باستحداث سعر جديد أو إضافى للدولار الجمركى، إحصاءات وأرقاماً واضحة تكشف القيمة التى تكبدتها الخزانة العامة جراء احتساب الجمارك المستحقة على السلع غير الأساسية على سعر الدولار الجمركى المدعوم من الدولة، ومن ثَم ما سوف يتحقق من عوائد بعد تنفيذ القرار، كنت أتمنى أيضاً أن يضمّن الوزير قراره قائمة كاملة واضحة ومحددة بالسلع كاملة الصنع التى شملها قرار المحاسبة الجمركية بالسعر الحر، والتى لها نظير محلى يحتاج إلى حماية ودعم من جهة، ولإقناع الرأى العام بأن الأمر لم يأتِ دون دراسة أو بمبررات ليست واقعية من جهة أخرى. كنت أتمنى على السيد الوزير ألا يبدو قراره إجراء أحادياً من جانب وزارة المالية، كوزارة معنية ومهتمة بالعمل على زيادة موارد الخزانة العامة.. أرى أنه كان يتوجب على الحكومة أن تكون حاضرة بشكل واضح أثناء إعلان قرار متعدد الجوانب، ويمس قطاعات عديدة، كان يتوجب أن يتم إعلان خطة حكومية تستهدف الحيلولة دون استغلال كثير من ضعاف النفوس مناسبة صدور القرار للمتاجرة بالناس ورفع جميع الأسعار دون مبرر، استغلالاً لحالة الغموض واللبس التى أحاطت بقرار استحداث سعر جديد للدولار الجمركى خاص بما قال السيد الوزير بالسلع غير الأساسية.
الأمر الأكثر أهمية، هو إدراج السيد وزير المالية أجهزة الحاسوب «الكمبيوتر» والهواتف الذكية ضمن قوائم السلع التى سيطبق عليها قرار التعريفة الجديدة للرسوم الجمركية، والحقيقة.. لا أستطيع تفهّم هذه الجزئية من قرار السيد وزير المالية، خاصة أنها تعنى بشكل واضح لا لبس فيه أن أسعار الأجهزة الإلكترونية سترتفع بنسبة ليست بالقليلة، بينما الحكومة، بل والدولة، تسعى للإسراع بتطبيق خطة الشمول المالى وميكنة جميع الخدمات والمصالح التى تقدمها المرافق الحكومية، وهذه الخطة وببساطة شديدة تعنى ضرورة التوسع فى امتلاك الناس لأجهزة إلكترونية، حواسيب أو هواتف ذكية، تمكن أكبر قاعدة جماهيرية من التواصل الإلكترونى مع الدولة وكافة مصالحها. أكرر وبقناعة أنه لا مفر من استكمال تنفيذ بنود خطة الإصلاح الاقتصادى والإسراع بتلافى أية سلبيات قد تقع نتيجة تنفيذ هذه الخطة.. ولكن يجب ألا تتسبب أية محاولة للتصويب فى إحداث سلبيات أكثر تأثيراً.