يبدو الإعلام المصرى نقطة الاتفاق الوحيدة فى الرأى بين المصريين الذين اعتادوا الخلاف والاختلاف فى السنوات السبع الأخيرة وفشلوا فى تحقيق الاتفاق أو التوافق فى أى ملف من الملفات، حتى جاء الإعلام ونجح فى توحيد صفوفهم ومواقفهم وآرائهم.
أن يتهم أعداء الدولة الوطنية الإعلام المصرى بالفشل والانحياز ضدهم لصالح الحكومة فهذا أمر طبيعى ومنطقى، وأن ينظموا حملات عنيفة ضده حتى فى المنظمات الدولية باعتباره مانعاً لحرية الرأى والتعبير فهذا أيضاً منطقى، لكن أن تأتى الانتقادات من داخل معسكر الدولة الوطنية ذاتها، ويُتهم الإعلام بالفشل فى التعبير عن الدولة، فالأمر هنا يستلزم «التوقف والتبين» لما يحصل وما يدور. الكل غاضب من الإعلام، الكل يعتبر الإعلام المصرى فاشلاً، والكل يرى أنه إعلام مُضلل لا يقدم الحقيقة، وهذه النقطة بالتحديد الأكثر إثارة للدهشة، كون الخلافات بين الناس ترتبط بانحياز الإعلام لصالح طرف أو ممارسة التضليل لصالح كفة على حساب الأخرى، لكن أن تتهمه كل الأطراف بالتضليل والانحياز والفشل فى نقل وتقديم المعلومات فهذا فى الحقيقة مذهل.
الأصل فى الإعلام تلبية مطالب المتلقى، وتحقيق مصلحته الأسمى بنقل المعلومات له، من خلال عملية تنوع كمى وكيفى، بتقديم الآراء المختلفة، أو الفنون المتنوعة، من سياسة إلى اقتصاد إلى منوعات إلى برامج للتسلية وللأطفال والنساء وخلافه، فالتنوع لا يتوقف عند حدود إبداء الآراء وتعددها، وإنما يمتد إلى معانٍ ومفاهيم وأدوات أخرى لا تقل، بل ربما تزيد، أهمية. ربما غياب هذا التنوع سبب من أسباب غضبة النسبة الأكبر من المتلقين، وأقصد هنا الجمهور العادى الذى هاجر الفضائيات والبرامج المعتادة وانتقل إلى وسائل إعلام تُقدم له التنوع بكل فنونه، أو لجأ إلى فضائيات أجنبية للبحث عن التنوع فى الرأى الذى بات يفتقد جانباً ليس بالقليل منه على شاشاته الوطنية.
الشاهد أن تعدد وتوالى الانتقادات لواقع الإعلام المصرى يتزايد فى الوقت الذى لا تجد فيه هذه الانتقادات استجابة أو تفاعلاً، والحاصل أن مشكلات عديدة فعلياً تحيط بإعلامنا الوطنى جرّاء كل الظروف المحيطة التى لا يمكن إنكار تأثيرها على أداء المؤسسات الإعلامية، لكن فى المقابل أيضاً هناك أسباب ترتبط بغياب القواعد والأسس المهنية والاحترافية عن المؤسسات الإعلامية، وسياسات يجب النظر فيها بتعمق وباهتمام فى مواجهة خطر إعلام التواصل الاجتماعى والبديل.
بالقطع لا يمكن الحديث عن حقوق لجماعات إرهاب تستهدف حق الشعب فى الحياة ولا أعوانهم من الجماعات السياسية التى تستهدف الشعب ومصالحه ولا ترضخ للدستور والقانون وتسعى لإسقاط الدولة الوطنية وبناء دولة المرشد بديلاً، لكن لا يمكن أيضاً تجاهل آراء وأفكار سياسية معارضة تعمل فى إطار الدولة ومؤسساتها ودستورها، فالإعلام يُبنى على التنوع والتعدد.