قول للزمان ارجع يا زمان.. هذه الأيام إذا اهتمت دولة ما بالزراعة فقط قد تضمن أن تأكل جيداً، وإذا اهتمت بالصناعة فحسب فستحقق بعض الرفاهية، ولكن إذا اهتمت بكل ما سبق مضافاً إليه «تجارة العقول» فإنها ستصبح دولة كبيرة خلال عقد واحد أو اثنين على الأكثر.
«تجارة العقول» هى طرح الأفكار المبدعة وتنميتها والتربح منها، وهى منبع الرفاهية الجديد، وفى الغرب يهتمون ببراءات الاختراع، بينما العرب يهتمون ببراءات المحكمة.
حقوق ملكية الأفكار فى العالم المتقدم أهم من عوائد ملكية العقارات، وبالتالى فكثيراً ما تحدث نزاعات حول ملكية الابتكارات الجديدة، لأن الأفكار عندهم هى أغلى منتج بشرى، وهى لا تُعطى أبداً بالمجان.. وفى هذه البلدان، سرقة مبنى «اسكوتلانديارد» بلندن أسهل من سرقة فكرة من مواطن بسيط.
دخل العملاق الكورى الجنوبى «سامسونج» نزاعاً مع المارد الأمريكى «مايكروسوفت» بسبب حق الانتفاع ببراءات اختراع متعلقة بنظام «آندرويد» للتشغيل، التى استأجرتها الأولى من الثانية مقابل نسبة من الأرباح، ولكن «مايكروسوفت» قررت استخدام النظام حين استحوذت على هواتف «نوكيا» الفنلندية فتوقفت «سامسونج» عن الدفع، وبمناسبة «نوكيا»، فقد حصلت هى نفسها على مبلغ مالى ضخم كتعويض من «اتش. تى. سى» التايوانية كتسوية نزاع بشأن براءات اختراع أيضاً لتتجنب الأخيرة خطر الخروج من السوق الأمريكية.. أما موقع «فيس بوك» الشهير فله فى مجال الدفاع عن الأفكار جولات كثيرة؛ فقد دخل فى نزاع مع «ياهو» الأمريكية بعد ادعاء الأخيرة أن «فيس بوك» انتهك عشرة من حقوق الملكية الخاص بها، لا شىء عندهم مجانى فى مجال الأفكار، «فيس بوك» دفع 550 مليون دولار لشركة «مايكروسوفت» مقابل شراء 650 براءة اختراع، مع السماح باستخدام 275 أخرى، كما دفع نحو 83 مليون دولار لشركة «IBM»، مقابل شراء 750 براءة اختراع.
مؤسس «فيس بوك»، «مارك زوكربيرج»، واجه دعاوى قضائية من شركة «كونيكت يو»، التى أسسها مجموعة من زملاء «مارك»، وقد زعموا أن الموقع الشهير اعتمد على سرقة الكود الرئيسى الخاص بهم وبعض الملكيات الفكرية الأخرى، وقالوا إن زميلهم أخل بعقد شفهى تم بينهم بشأن تأسيس «فيس بوك»، وقد تمت تسوية هذا النزاع لاحقاً بشكل سرى، ولكن الوسيط القانونى لشركة «كونيكت يو» أخطأ بعد ذلك وأعلن أن قيمة تلك التسوية كانت 65 مليون دولار.. كما حصل «فيس بوك» نفسه على تعويض ضخم بقيمة تقترب من تسعمائة مليون دولار من «آدم جوربوز» مؤسس شركة «أتلانتيس بلو كابيتال»، الذى نشر على الموقع كماً هائلاً من الإعلانات للترويج للماريجوانا والمنشطات الجنسية.
أمل مصر فى عقولها، انسوا الزراعة والصناعة كوسائل وحيدة للنهضة؛ فقد تجاوز الزمن الأولى، وليس لنا حتى الآن تنافسية كبيرة فى الثانية.. ازرعوا واصنعوا بالطبع لكن لا تظنوا أن هذه هى طرق التقدم، لكنها وسائل لأكل العيش و«الستر».. الأمل والنهضة فى صناعة الأفكار وتجسيدها تكنولوجياً وتصديرها للعالم، المستقبل للعقول وليس للعضلات.