الإقناع هو عملية فنية تهدف بالأساس إلى التأثير وتغيير المواقف، أو المعتقدات، أو السلوكيات لشخص أو مجموعة من الأشخاص تجاه فكرة ما أو حدث محدد أو مؤسسة بعينها مثلاً.. وفى طريق الإقناع نستخدم كل الوسائل، من الحديث المنطوق أو الكلام المكتوب لنتمم عملية نقل المعلومات، والمشاعر.. وغالباً ما يقبع خلف عملية الإقناع مجموعة من المكاسب الشخصية التى ستتحقق بمجرد إقناع الطرف الآخر، حتى لو كان هذا المكسب الشخصى هو مجرد الارتياح النفسى وفرض السيطرة وإثبات الذات.
أستاذ علم الإدارة العالمى المعروف «تشارلز مارجريسون» وضع أربعة نماذج للإقناع يمكنها أن تصف كل محاولات الإقناع التى تتم على كوكبنا السعيد. النموذج الأول للإقناع يسمى ببساطة «نموذج الإقناع» وفيه يحاول أحد الأطراف إقناع طرف آخر لكى يتبنى موقفه. وفى هذا النموذج يتحرك الطرف المتلقى ويقترب من موقف الطرف المؤثر عليه.
نموذج الإقناع الثانى هو «نموذج التفاوض» وفيه يتخذ كلا الطرفين خطوات يقتربان بها من بعضهما وذلك عبر عملية مفاوضات وتنازلات متبادلة ومواءمات محسوبة.. ونموذج التفاوض من النماذج الوسطية الناعمة التى تؤدى إلى الوصول لحلول وسط للأمور، ويخرج الجميع منها فائزاً.
أما نموذج الإقناع الثالث فهو «نموذج التعصب» وفيه يتبنى كل طرف من الطرفين مواقف صلبة لا تتزعزع، بحيث لا يُجدى التفاوض نفعاً ويكون مضيعة للوقت والجهد.. ونموذج الإقناع الرابع هو «نموذج الاستقطاب» وفيه يصبح التفاوض نقمة، حيث يتسبب فى اتساع الهوة بين الطرفين، اللذين لا يكتفيان بالثبات على مواقفهما، بل يتبنى كلاهما موقفاً أكثر تشدداً فى اتجاه قناعاته الأصلى، وهذا هو أخطر أنواع نماذج الإقناع، وهو من مسببات الاضطراب الاجتماعى.
وظنى أن ما يدور فى مصر، والعالم كذلك، من مناقشات رياضية محتدمة، وجدالات دينية ملتهبة، هى فى مجملها تخضع لنموذج الإقناع الثالث، نموذج التعصب، وبعضها يعرج إلى نموذج الاستقطاب، خطير التأثير، فلا يمكنك مثلاً، مهما بلغت قوة حجتك وغزارة معلوماتك وتماسك منطقك، أن تُقنع مشجعاً لنادى الزمالك أن ينتقل لتشجيع النادى الأهلى مثلاً، والعكس صحيح.. وعلى المنوال نفسه، وبعكس ما يظن الكثيرون، فلن يتمكن أحد من تغيير القناعات الدينية لقطاعات من البشر، أياً كانت تلك القناعات، حتى لو كان أحدهم يدعو باسم رب العالمين فى وسط من يعبدون حشائش السافانا، فلن يقتنعوا، الأمر أصلاً لا علاقة له بالمنطق والحجة، بل بالعاطفة والوجدان، وهى أمور لا يغيرها العقل بسهولة.
قبل تطبيق نماذج الإقناع مع الآخرين علينا بذل جهد كبير لإقناع أنفسنا بأن ما نعرفه من الحقيقة هو فى الحقيقة ليس الحقيقة! بل هى مجرد رؤيتنا نحن لتلك الحقيقة، وبالتالى فالتعصب لا محل له، فليس منا من يمتلك ميزان الحق، وليس فينا أنبياء أو ملائكة، وبالتالى، فالجدال، إن كان أمراً حتمياً، فليكن قليل المدة وبالتى هى أحسن، مع قناعة بحقيقة أن تغيير الآخرين ليس فقط صعباً، بل هو عبث.. ليقل كل كلمته باختصار ويترك من له أذنان للسمع ليسمع، أما الهستيريا والتعصب والتشدد والاستقطاب واحتكار الحقيقة فهى أمور مكانها مستشفى لعلاج الأمراض النفسية.. شفى الله الجميع.