الوقوف على حجم الوجود العسكرى الأمريكى بمياه وسواحل الخليج العربى، الذى جرى خلال أسبوع واحد مضى، مهم بالنظر إلى مجموعة السفن الضاربة التى وصلت صحبة حاملة الطائرات «أبراهام لينكولن»، وتمثلت فى (5 سفن حربية) ثم مؤخراً دعمت هذه المجموعة بالسفينة «أرلنجتون» الهجومية البرمائية، كما هناك تأكيدات أضافت الغواصات النووية، باعتبار أنها عادة ما تكون بصحبة الحاملة العملاقة الشهيرة، وسبق هذا الوصول، تأكيد نشر القاذفات الاستراتيجية من طراز (بى 52) كدعم إضافى لما هو موجود من الأصل.
وعن هذا الوجود الذى لم يتراجع أو تخف وتيرته فى أى وقت مضى، بدا الدفع النوعى الجديد للتعزيزات، بهدف نقل القوات الأمريكية الموجودة إلى مستوى متقدم من إمكانات الردع، قبل أن يكون من أجل إتاحة خيارات متنوعة أمام الرئيس الأمريكى، بإلقاء نظرة إلى توزيع تلك القوات، أعدادها ونقاط توزيعها الحاكمة، تجعلنا نحيط إلى حد بعيد بمجمل المشهد، فى البداية بالكويت شمالاً يوجد أكثر من (13 ألف عسكرى أمريكى) بقاعدة «عريفجان»، وفى البحرين حيث يباشر من القاعدة البحرية بها «الأسطول الخامس» الأمريكى، عمليات التحكم والسيطرة على منظومة العمل البحرى فى مجمل نطاق الخليج العربى ومضيق «هرمز»، وصولاً إلى ساحل عمان، من خلال تشكيلات بحرية وبرية تصل إلى (7000 عسكرى) أمريكى، أما القيادة المركزية الأمريكية؛ التى تتخذ من «قاعدة العديد» بقطر مقراً لها، فهى تضم هى الأخرى (10 آلاف عسكرى) أمريكى، وتبقى الإمارات حيث يعد «ميناء دبى» أكبر محطة توقف بالنسبة للسفن الحربية الأمريكية، فضلاً عن «قاعدة الظفرة الجوية» فى أبوظبى، التى يوجد بها «سرب كامل» من مقاتلات (F 35) المتطورة، مع وحدة «طائرات مسيرة» صحبة (5000 عسكرى) أمريكى بالقاعدة.
هذه النقاط الحاكمة الأمريكية، والقدرات التى استقبلت الدفع النوعى العسكرى الجديد المشار إليه بداية، يضع الصورة فى إطار ملتهب بنيران لا تخفى على أحد، على الجانب الآخر ربما لم يكن التأهب الإيرانى بالوضوح الأمريكى سالف الذكر، لكنه بدأ يصيغ هو الآخر معادلته الخاصة، متمثلة فى هجمات موانئ دولة الإمارات «عملية الفجيرة»، وبدء استخدام سلاح «الطائرات المسيرة» فى الهجوم الذى وصل لمصافى وخطوط نفط «شركة أرامكو» السعودية، قبل أيام وجهت سلطات التحقيق الأمريكية الإماراتية المشتركة الاتهام المباشر بحق «الحرس الثورى» الإيرانى فى مسئوليته عن هجوم الفجيرة، وقبلها أعلنت «ميليشيات الحوثى» فى صراحة متعجلة ومقصودة بأنها تقف وراء تنفيذ الهجوم الذى وصل إلى العمق السعودى، والذى تبعه آخر مماثل وصل إلى «قاعدة نجران الجوية»، واستهدف فيها منظومة «صواريخ الباتريوت» المتأهبة للتصدى لهجمات الصواريخ الباليستية المقبلة من الجنوب، المعادلة الإيرانية على هذا النمط غير التقليدى بعثت برسالة شديدة الوضوح بأن رهانها على «الفروع والأذرع» المؤهلة سيكون حاضراً فى المقام الأول بعد تزويدها بأجيال متطورة قادرة على النفاذ، وسط هذا الزحام العسكرى التقليدى، بفاعلية صناعة الإيذاء وهز الهيبة وصياغة معادلة توازن «معقولة»، تمكنها من التقاط الأنفاس للبحث عن زوايا رؤية مغايرة لحالة الضغط الهائل الرابض على أمتار منها.
اللافت أنه منذ الوصول إلى نقطة ذروة مؤقتة، قد يتلوها نقاط أعلى أو أقل، لم يخل يوم واحد من تصريح صادر عن كلا الجانبين، يؤكد حرصهما على عدم الوصول بالمشهد لحد المواجهة المباشرة، وهى تصريحات أكثر مما تربك المتابعين، هى تضع غلالة من الغموض كما تعكس حالة من التدافع الذاتى للأحداث غير منضبطة المعايير، وقد ترشح الانفلات غير المحسوب لأن يكون هو السيد الحقيقى للحظة، حتى الآن على الأقل، فالعسكريون من كلا الطرفين يعملون بمعزل «واضح» عن ارتباك السياسيين، لذلك جاء إعلان الجمعة الماضى من الأدميرال مايكل جيلداى، مدير الأركان المشتركة، بأن البنتاجون بصدد الدفع بـ(1500 جندى) إضافى للشرق الأوسط، فيما وصفه بأنه: «موقف دفاعى ضيق التركيز، كما نعتقد أنه من خلال النشر الدقيق للأصول، نحاول مرة أخرى التأكيد على أننا لا نسعى إلى القتال مع إيران، وهى بأى حال ليست مصممة لتكون استفزازية»، وسيشمل الانتشار أيضاً وفق مساعد وزير الدفاع لشئون الأمن الدولى «كاتى ويلبرجر»، سرباً مقاتلاً تابعاً للقوات الجوية، مكلفاً بالرد على أى هجمات إيرانية، فضلاً عن جمع المعلومات الاستخباراتية عن دفاعات إيران وعملائها بالمنطقة، علماً بأن مساعد الوزير رفض الإفصاح عن مكان ذهاب وتمركز تلك القوة الجديدة، فقط جاءت إجابته أنها لن تذهب إلى العراق أو سوريا، بعد تأكيده أن الولايات المتحدة الآن لديها نحو (70٫000 جندى) فى جميع المجالات بالشرق الأوسط!
بعد التأكد من تمام الوصول إلى تلك الحافة؛ أخطر الرئيس ترامب فى أول إجراء من هذا النوع الكونجرس، بتفاصيل وحجم هذا الانتشار الجمعة الماضى، فى الوقت ذاته الذى بدأت فيه خرائط التراجعات تمد على أكثر من مائدة وساطة تفاوضية يجرى المراهنة على إمكانية وصولها إلى تخريجات، قد تحقق للطرفين وللأطراف المتداخلة أيضاً، بعضاً مما يمكن تسويقه فى حال اتفق على النزول أو مغادرة الحافة، المائدة الأولى مدت فى العراق، وهناك مكون رسمى للحكومة العراقية يقوم بهذا الأمر، استشعاراً منه أنه أكبر المضارين من هذا المشهد، وأن أراضيه المرهقة بالأساس من الساحات المرشحة أكثر من غيرها للدخول فى دوامة، غير مأمونة العواقب، والمائدة الأخرى التى تحركت بدفع إيرانى بريطانى؛ هى مائدة سلطنة عمان التى لها قدرات اختبرت من قبل، ففضلاً عن مهاراتها فى رسم خرائط للتوافق، تحمل ذات الهواجس من أن شواطئها وساحلها المعبأ بالخطر، يحتاج إلى تنفيس سريع للبخار قد يصل بالمشهد إلى ما يمكن اعتباره نهاية سعيدة، من وجهة نظرها وآخرين، على عكس أطراف أخرى يمثلون بالمشهد أدوار «محفزات الاشتعال»، لا أظنهم سيدعون هذه المستجدات تفلت من أياديهم بسهولة مد الخرائط، وتقديم المشروبات المثلجة.