متحف الأخبار «نيوزيام» هو متحف تفاعلى للأخبار والصحافة، يقع فى العاصمة الأمريكية واشنطن، ويزوره حوالى اثنين وربع المليون زائر فى خمس سنوات.. ويضم هذا المتحف الجميل ذو الطوابق السبعة عدداً هائلاً من المعروضات منها معرض بديع يقدم الصفحات الأولى اليومية، عبر السنوات الماضية، لعشرات الصحف الأكثر انتشاراً، ومنها جريدة الأهرام المصرية. وهناك معرض آخر يشمل أجزاء ضخمة من جدار برلين، فيما يعتبر أكبر عرض لأقسام جدار برلين خارج ألمانيا.
وأول ما سوف يلاحظه الزائر هو التباين الشديد بين جانبى السور، الغربى والشرقى من ألمانيا، فالجانب الغربى، حيث كان هامش الحرية أكبر بكثير من نظيره الشرقى، امتلأ السور بالصور والرسومات وفنون الجرافيتى، وكلها دعوات للتحرر والتوحد.. بينما الجانب الشرقى من السور دون نقطة طلاء واحدة، وكأن بشراً لم يمسسه، وهذا صحيح إلى حد كبير، ففى الجانب الشرقى لم يكن مسموحاً للبشر بالاقتراب من السور أصلاً، وهناك قصص وحكايات أبطالها حاولوا الهرب من الشرق إلى الغرب، بعضها كان قصص نجاح عظيمة، وبعضها الآخر انتهى إلى مآسٍ وكوارث ودراما.
فى متحف الأخبار ممنوع لمس هذا السور، لكن هناك قطعة صغيرة منه موضوعة وحدها ومكتوباً تحتها: «المس قطعة من التاريخ».. وبالفعل قمت بعمل ذلك، وأغمضت عينى وتخيلت حوالى خمسة عقود من الانقسام الألمانى، وحاولت الإغراق فى التأمل لتخيل ماضى تلك القطعة من السور بالتحديد، وكيف كان «شعورها» حين تكسرت من السور فى أثناء عملية هدمه، وكيف وصلت إلى هنا.
كتبت هذا المقال مباشرة بعد المرور بتجربة أخرى تتعلق بالشعور بالتاريخ والدخول فيه، كنت أتجول داخل بناية تسمى «مبنى بوش» وسط العاصمة الإنجليزية لندن، وهو الآن أحد مبانى جامعة «كينجز» البريطانية الشهيرة، لكنه كان، وحتى عام 2012، المبنى الرئيسى لهيئة الإذاعة البريطانية، فى هذه الطرقات التى قطعتها جيئة وذهاباً مشت شخصيات تاريخية لها قيمة. من هنا بث «ونستون تشرشل» خطاباته النارية فى أثناء الحرب العالمية الثانية، وهنا تمت استضافة عظماء الآداب والفكر والفلسفة فى العالم، هنا ستشعر بالتاريخ يلفحك على وجهك كنسمات أغسطس الحارة فى صيف القاهرة.
بعد زيارة مبنى بوش، تمشيت حوالى مائتى متر فى شارع ستراند الحيوى الشهير، لأجد نفسى أمام مطعم يسمى «سيمبسون»، وهو ذات نقوش خارجية عبارة عن قطع شطرنج، وهذا المبنى هو أحد أقدم مطاعم لندن، ويعود تاريخه إلى عام 1828، وله أهمية كبيرة ومكانة خاصة عند عشاق ومحبى لعبة الشطرنج مثلى.
إذا كانت «ويمبلدون» هى معقل التنس، فـ«سيمبسون» كان حتى منتصف القرن الماضى، هو قلب الشطرنج النابض. ففيه لعب «بول مورفى»، الذى يُنظر إليه كأمهر من لعب الشطرنج فى التاريخ (لم تكن هناك بطولة عالم للشطرنج فى أيامه)، و«ويلهام شتايتنز»، أول بطل عالم رسمى للشطرنج، و«إيمانويل لاسكر»، اللاعب العظيم، والأكثر احتفاظاً ببطولة العالم على الإطلاق، و«جوهانسون زوكرتيرت»، اللاعب القوى متحدى بطل العالم وقتها، والذى توفى لاحقاً بأزمة قلبية فى أثناء إحدى مبارياته داخل مبنى سيمبسون.
فى الشطرنج مباراة شهيرة للغاية تسمى «الدور الخالد» كان بطلها اللاعب أدولف أندرسون، وقد لُعبت أيضاً فى سيمبسون.. من الممتع لمس التاريخ ورؤيته، ومن الأمتع صناعته.