أعرف طارئ الشناوى منذ سنوات طويلة.. منذ كان «ناشئاً سينمائياً» يلهث وراء «عربة النقد» حين كان ركابها باشوات وجهابذة: سمير فريد وسامى السلامونى وكمال رمزى وفتحى فرج وغيرهم.
مات من مات وتوارى من توارى وأصبح الأستاذ «طارئ» سائق العربة ومحصلها وراكبها الأوحد!.
ما من صحيفة أو موقع إلكترونى أو فضائية أو مهرجان أو ندوة تتحدث عن السينما «والغناء أحياناً بحكم انتمائه إلى سلالة غنائية» إلا وأنف طارق الشناوى مدسوس فى الكلام، مع أن النقد السينمائى لا يؤخذ بالأنف ولا بالعين ولا بالألقاب ولا باللهاث طبعاً وراء عربة النقد.
تحملت السينما المصرية تفاهة وجهل هذا النوع من النقد والنقاد: بضع كلمات عن مونتاج الفيلم وأداء الممثلين والإضاءة والحبكة وما إلى ذلك، ثم ظهور فى أى مهرجان فى أى «حتة» فى الدنيا، ثم إطلالة بلا معنى أو إضافة من كل نافذة، مع «حبة كتب» عن فنانين وصانعى أفلام من لحم الأرشيف، ثم صك اعتماد بأنه «ناقد سينمائى»!. ليكن.
فوضنا أمرنا وسمينا «طارئ الشناوى» ناقداً، مثلما سمينا «بزرميط» السبكى «أفلاماً»!.
أما أن يتحدث الأستاذ «طارئ» فى السياسة أو فى أمور تخص السياسة - تصريحاً أو تلميحاً - فهذا مما لا يستطيع هو نفسه تقدير عواقبه.
السياسة متاهة وليست فيلماً يخوض فيه الناقد الأوحد بقدميه وهو لا يعرف الفرق - حتى - بين «إحم» و«الدستور».
وحسابات السياسة أكبر وأعقد من بدل سفر وإقامة فى مهرجان، أو ظرف مغلق بعد ظهور قسرى فى برنامج، أو كتاب لامع يباع بخمسة قروش فى الأزبكية.
من حق «طارئ»، مثلما هو حق بائع التين الشوكى، أن يتحدث فى السياسة بشرط ألا يتحدث بذهنية الناقد السينمائى، لأن السياسة واقع محض بينما السينما خيال محض. وما دام ناقدنا الأوحد قرر أن يخرج من داره فعليه أن يتحمل سخافة وقسوة الرأى الآخر.
وسأكون سخيفاً وقاسياً بعد ذلك مع طارئ الشناوى وكل «طارئ» جاهل أو تافه يتعرض لنظام الرئيس عبدالفتاح السيسى بالنقد، أو يحاول أن «يتعلم فيه» البطولة.
كتب الأستاذ «طارئ»، هذا الكائن الذى لا تحتمل خفته، مقالاً فى «المصرى اليوم» بعنوان «اللى ما تعرفوش»: عنوان لا علاقة له تقريباً بمحتوى المقال، اللهم إلا جملة فى السطر الأخير، يُفهم منها أن «طارئ» يطالب النظام الحالى بالاعتماد على أهل الخبرة (اللى ما يعرفهمش) وإبعاد أهل الثقة (اللى يعرفهم).
ويبدو أن الأستاذ «طارئ» كان قد سمع عبارة «أهل الثقة وأهل الخبرة» وهو «ناشئ سينمائى»، فحفظها، وظلت كامنة فى تلافيف مخه السليلويد حتى تأكسدت، فقرر أخيراً أن يستخدمها لعلها تحوله إلى «عادل إمام سياسى».! يبدو أيضاً أن الناقد النحرير أحس وهو يكتب أنه تورط فى استدعاء هذه العبارة (وكانت قد قيلت فى زمن عبدالناصر) فبدأ بها مقاله، ثم بحث عن سياق سياسى يعيد من خلاله إنتاجها أو تفسيرها وفقاً للظرف الحالى.. فلم يجد، فسال منه المقال وتفرع، واضطر أن يفتح كرتونة الأرشيف ليأخذ كعادته بضع وقائع قديمة ومتهالكة، ويدارى عجزه: يتحدث عن أحمد رامى وسجال شعرى بينه وبين حافظ إبراهيم. يتحدث عن أم كلثوم وملابسات أغنية «حب إيه». يتحدث عن محمد فوزى، وعن صوت محمود يس، وعن تضحية أحمد حلمى فى فيلم (إكس لارج).
وعن المنتجة مارى كوين ودرتها (الناصر صلاح الدين)، وعن المخرجة اللبنانية نادين لبكى ومغامرتها (كفر ناحوم).. يتحدث عن كل ذلك تحت مظلة هائلة، لكنها متهالكة وبائسة تسمى «أهل الثقة وأهل الخبرة»، واستطراداً لجملة يقلد فيها مهاطيل النخبة وأرزقيتها: «تلك المعادلة التى باتت تحكم مع الأسف المنظومة كلها»!. مالك أنت ومال هذا الكلام المجعلص يا أستاذ طارئ؟.
ماذا تعرف عن «المنظومة كلها»؟. الشىء الوحيد الذى يؤخذ على هذه المنظومة أنها أبقت عليك لتسترزق وتأكل لقمتك بالنقد حيناً، وبالإكراه و«الغتاتة» وفرض وجودك أحياناً كثيرة.
ثم.. ألا تعرف أن (الناصر صلاح الدين) الذى تذكرته كان من تجليات «زمن أهل الثقة وأهل الخبرة»؟.
قل كلاماً معقولاً يا أستاذ طارئ أو اسكت.
اهضم أولاً وتأمل ما يحيط بهذه المنظومة من مكائد وأحزمة ناسفة، ثم انتقدها، أنت رجل متصالح مع نفسك ومع كل الموائد السياسية لأنك طول عمرك «بتاكل على بسطة السلم»... بلاش انت يا طارئ!