لماذا تؤكد أحاديث عديدة وأدعية اللهم اغسلنا بالماء والبرد ونقنا من الذنوب كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس؟ هل التنقية من الذنوب تعطى لنا ضوءاً أبيض أو نوراً أبيض؟ ولماذا ندعو ونقول: اللهم اجعل لنا نوراً ومن فوقنا نوراً ومن أمامنا نوراً ومن خلفنا نوراً وعن يميننا نوراً وعن شمالنا نوراً واجعل لنا نوراً من عندك يوم لا نور إلا نورك؟ ما حكاية النور فى الآخرة وهو عكس الظلام؟ هل لأن الكون قد انتهى لا نجوم تضىء ليلاً ولا شمس تنير نهاراً؟ ولماذا رأى سيدنا موسى نوراً فتصوره ناراً فإذا به نور الله نفسه وذاته يكلمه أننى أنا الله فاخلع نعليك إنك بالوادى المقدس طوى؟ ولماذا قال موسى لأهله إنها نار لعلى آتيكم منها بقبس؟ ولماذا قال الله للنار حين وُضع فيها سيدنا إبراهيم يا نار كونى برداً وسلاماً؟ ما حكاية البرد والسلام والنور والنار؟ وقول الله عز وجل فى سورة الحديد «يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ، يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِىُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ»، وفى آية 22 من سورة الزمر يقول تعالى: «أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِى ضَلالٍ مُبِينٍ»، وفى آية 24 من سورة الزمر «أَفَمَن يَتَّقِى بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، وفى سورة الأعراف آية 157 يقول تعالى: «الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الأُمِّىَّ الَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِىَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»، المعنى إما أن القرآن نور حقيقى فى ذاته، أو نزل لمن يقرأه ويعمل به فيجعل له نوراً يوم القيامة أو المعنى كلاهما معاً وهو الأقرب.
إن النور والنار كلاهما طاقة والطاقة إما مصدر بذاتها أو ليست كذلك فتحتاج إلى ماكينة توليد لها، فالشمس مصدر للطاقة الحرارية بذاتها وهى أكبر مصدر للنار على سطحها وأكبر مصدر للنور يضىء الأرض كلها فهى نار لها نور أى شعاع ضوء ينير الطريق أمام السائرين على الطرق ومصدر نار حرارية تسخن سطح الكرة الأرضية وهواءها فنشعر بموجات الحر وحين تختفى تحت السحب الكثيفة فى الشتاء فيغلب الظلام النور فيمتنع عن البشر الضوء الذى هو النور والحرارة التى هى نار! وكذلك المصدر الإلهى للنور والنار والله أكبر من كل شبه، فتصور سيدنا موسى من ناحية الشكل أن النور نار فقد وجد فى الظلام ضوءاً ويبدو أن القمر لم تكن ليلته فقال إنها النار لأنه لا يعرف مصدراً للنور أو الضوء ليلاً إلا القمر الذى هو نور بانعكاس أشعة الشمس على سطحه فإذا اختفى القمر ليلاً فلا ضوء أو نور إلا بالنار وما مصابيح النور التى تملأ شوارعنا ليلاً إلا ناراً تحترق فى فرن كبير تسمى محطة كهرباء!
ومن اللافت للنظر أن الله أراد أن يوضح للبشر أنه القادر على خسف الشمس أو خسف القمر فتظلم الكرة الأرضية وقت الخسوف ووقت الكسوف! ليعلم الجميع أن خالق الشمس والقمر هو مصدر النور كله فتقول الآية 8 فى سورة القيامة «وَخَسَفَ الْقَمَرُ» فإذا خسف القمر «وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ» الآيتان 9، 10 سورة القيامة، طبعاً لأنه لن يرى طريقاً يسير فيه ولن يعرف مساراً يهتديه فالهادى الوحيد إلى النور أو الظلام والنار هو الله «إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ» الآية 12 سورة القيامة، أى حسابك عند الله أولاً ثم تعرف مستقرك، أما نور الله فى الأرض الجديدة يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات أو جهنم والعياذ بالله، فتقول الآية 48 فى سورة إبراهيم «يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ»، والغريب أن كلاً من النور والنار طاقة بيد الله وحده فالنار التى تصورها النمرود تحرق إبراهيم أخذ الله منها طاقتها الحرارية فأصبحت ضوءاً ينير لإبراهيم الطريق لا حرارة فيه فسلبت الحرارة وبقيت الإضاءة، عكس سيدنا موسى، فقد ظهرت الصورة له فى سيناء عند جانب الطور الأيمن أنها نار فإذا هى نور لا طاقة فيها ولا حرارة فمن يتعجب أن يكون يوم القيامة نور بلا طاقة حريق نقول له قد حدثت فى الدنيا! ومن تعجب أن النار يلقى فيها الكافرون تشوى ولا تحرق ولا يموت أهل النار إنما مخلدون للعذاب نقول له قد حدثت فى الدنيا أن ألقى فيها إبراهيم فلم تحرقه ولم تقتله.
وختاماً: فإن البرد والسلام يرتبطان بالهدوء وراحة البال والرضا والسعادة وهى من هدايا الله إلى المؤمنين من عباده وكأن الإيمان والتقوى يطفئان معنوياً لهيب القلق وعدم الراحة والشعور بالخوف من الغد القادم مجهولاً لنا فى الدنيا ويصاحبنا نوراً وهدوءاً وسلاماً ونسيم هواء عليل فى الجنة.. اللهم ارزقنا التقوى والإيمان والبرد والسلام.