المدنية والحداثة والديمقراطية والعدالة هى رباعية زياد بهاء الدين، حاول مراراً وتكراراً إقناعنا بها، وحاول مراراً وتكراراً أن يوثقها ويروّجها ويسوّقها فى زمن تبدو فيه الآذان متعلقة بترامب وحركاته واقتحامه للكونجرس والهزة الكبرى التى أصابت النظام السياسى الأمريكى فى مقتل وهدمت أعمدة معبد السياسة العالمى وأضاعت مكانة كهنة الديمقراطية الحديثة التى اهتزت بشدة فى أسوأ حالاتها بنهاية القرن العشرين بعد أن ظهرت دول ثيوقراطية مثل إيران تدّعى أنها ديمقراطية أو تركيا الديمقراطية بلباس شيخ أفندى يلبس طاقية صباحاً باعتباره شيخ العالم الإسلامى ومساء هو الخواجة الأوروبى اللاهث وراء رضاء سيدة القصر الألمانى أنجيلا ميركل.
بينما تترك الصين كل هؤلاء بديكتاتورية صريحة وحداثة فاقت كل الحديث فى أوروبا وأمريكا لتتبوأ مكانها بين الأمم كرمز الحضارة الحديثة فى القرن الواحد والعشرين.
وكتب توم روجان فى مجلة واشنطن إيكزامينر الأمريكية ونشرت الترجمة «المصرى اليوم» عن خطأ بيلوسى النووى الخطير والسخيف.
وبتتبع خطابات ترامب ابتداء من خطاب تنصيبه منذ أربع سنوات نجد مفردات خطابه القائمة على كلمات مثل أمة ونحن ضد من اعتبرهم النخبة السياسية والمؤسسات التى لم تعمل من أجل الشعب الأمريكى، مخاطباً طيلة الوقت من اعتبرهم مهمشين ومحرومين من المزايا الاقتصادية والاجتماعية، فقد نجح ترامب فى استغلال الأوضاع التى نتجت عن تحولات ثقافية طويلة المدى منذ نحو عقدين انعكست على أجندة الحزبين الديمقراطى والجمهورى.. فقد تباينت المواقف على خلفية القضايا الاجتماعية مثل زواج المثليين والإنجاب والتغير المناخى، كما أن القضايا الثقافية أصبحت تتم على أرضية شيطنة كل طرف للآخر.
لقد كان فوز ترامب تتويجاً لهذه التطورات طويلة الأجل، فقد زاد ترامب من تعميق الانقسامات بين الأحزاب الرئيسية حول قضيتَى العرق والهجرة وغيرهما، كما عمل على مخاطبة فئة تتسم بالمحافظة الاجتماعية، سواء من كبار السن أو غير المتعلمين والذين تأثروا بالأوضاع الاقتصادية فيما يُعرف بحزام الصدأ، فعمل خلال حملته الانتخابية على مناشدة مخاوف من اعتبروا أنفسهم ضحايا لسياسات الهجرة واللاجئين والعولمة ومن ثم فقدوا مزاياهم الاجتماعية إما لصالح قيم وأفكار غير مناسبة للقيم التقليدية الأمريكية أو لصالح المواطن غير الأبيض ومن عرق أو دين مختلف. إن مشهد اقتحام الكونجرس يمثل أهم تداعيات شعبوية ترامب، فقد عمل طيلة الوقت على زعزعة ثقة المواطنين فى مبادئ ومؤسسات الديمقراطية الأمريكية، وهو ما ظل يؤكده من خلال رفضه نتائج الانتخابات الرئاسية التى خسر فيها.
وعندما تتعامل مع خصم انتهازى للغاية مثل الرئيس الروسى فلاديمير بوتين وقواته النووية، أو خصم طموح للغاية مثل الرئيس الصينى شى جين بينج وقواته النووية، فإن بث حالة من الضعف أو الشك ليس بالأمر المنطقى أبداً، وهذا مهم بشكل خاص مع بوتين، الذى يعطى الأولوية للجهود المبذولة لإفساد هيكل الردع النووى للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسى، وما هو منطقى فى الواقع هو تعزيز فهم الأعداء المستمر بأن قدرة أمريكا على القضاء عليهم تفوق قدرتهم على إبادتها، ولهذا السبب، على سبيل المثال، تقوم القيادة الاستراتيجية باختبار بروتوكولات يوم القيامة بانتظام، ويمتد هذا المبدأ إلى جهات التهديد الأخرى، ويجب أن يسود ذلك سواء تمت تسمية ترامب أو بايدن.
كما أن تعليق بيلوسى يُعد سخيفاً لسبب آخر، وهو أنه لا طائل من ورائه، ومن الواضح أنه مصمم لاستدعاء غضب الحزب الجمهورى فقط، حيث تدرك رئيسة مجلس النواب أن فرصة أن يبدأ ترامب حرباً نووية على أساس جنونى تقترب من الصفر، ولا أعتقد أنها ذات مصداقية، لكن دعونا بسرعة نتخلص من خوف بيلوسى الواضح من سلطة ترامب النووية.
وختاماً: الديمقراطية الزائفة فى أمريكا والتى تموت أربع سنوات وتستيقظ فجأة على انتخابات الرئيس وانتخابات المجلسين «الكونجرس والسينيت» أى مجلسى النواب والشيوخ، لها نظام عجيب جداً، فالحزبان لهما معهدان لتخريج القيادات الشبابية السياسية فى أمريكا هما المعهد الديمقراطى والمعهد الجمهورى، وهذا هو النشاط الحزبى الوحيد لكليهما الذى يشعرنا أن هناك أحزاباً فى أمريكا.
الغريب أن أمريكا التى هوست العالم بالحديث عن الديمقراطية وصدعت أدمغة الدول العربية بالحرية والتعبير الحر لكل الآراء ودافعت عن المتطرفين المسلحين وسمتهم المعارضين المسلحين وليسوا تكفيريين أو إرهابيين نسيت أن هؤلاء المعارضين المسلحين هم أنفسهم الذين فجّروا برجَى أمريكا، وقامت الدنيا ولم تقعد، وهاجمت أمريكا العراق ودمرته بتهمة التسليح النووى وهى تعلم أنه ليس كذلك، بل وتمادت أمريكا فى تسليح تركيا وتركت أوروبا والصين وروسيا تسلح إيران دون حساب أو مراقبة وتدّعى أنها فقط تريد منعها من القنبلة النووية وهى التى لا تترك كبيرة ولا صغيرة إلا أحصتها وتعلم كيف تم تسريب المكونات النووية واليورانيوم بأنواعه، وأقمار أمريكا الصناعية لا تترك دبة النملة إلا وسجلت أين كانت هذه النملة وعلى أى شارب لبنانى أم مصرى أم يمنى أم سعودى أم مغربى.
إن اللعبة الأمريكية انكشفت بل أقول انفضحت واتضح أن شوارع شيكاغو التى كتبها علاء الأسوانى لم تكن خيالاً، بل كانت أمريكا كلها شوارع شيكاغو بل وحوارى حوش الغجر التى تجدها فى كل عشوائيات العالم.
وأخيراً: مبروك لترامب زواج ابنته الصغرى، ومبروك للعالم العربى «ناسبنا الحكومة الأمريكية وهنبقى عدايل» على رأى المسرحية الشهيرة.