«طهطا».. ذلك المركز المشهور الواقع شمال محافظة سوهاج بصعيد مصر، كان محل الأحداث من العالم ومن وكالات الأنباء العالمية والعربية، ففى هذا المركز وقعت كارثة تصادم قطارين يوم الجمعة 26 مارس 2021م، وهى الكارثة التى أسفرت عن استشهاد عدد من الأشخاص وإصابة آخرين بإصابات بعضها طفيف، وبعضها متوسط، وبعضها شديد.
ضرب أهالى المركز والقرى المجاورة أروع الأمثلة فى المروءة والشجاعة والشهامة والفداء، وسطروا ملحمة إنسانية جديرة بالاحترام والتقدير والاحتذاء، حيث تحرك الأهالى من كل أنحاء المركز والقرى المجاورة للتبرع بالدم فى صفوف مزدحمة، وتحرك أصحابُ التكاتك والسيارات الخاصة لنقل المرضى، وتحركت فتيات من بيوتهن متجهات إلى مستشفى طهطا ليكن يداً واحدة مع الرجال فى التعامل مع الكارثة.
أطباءُ وممرضون ومسئولون ومسعفون قاموا بواجبهم، ولكن يظل المواطن المصرى فى الصف الأول من مواكب الإِحْياء والبطولة والشهامة، وهنا نذكرُ بكل فخر رجل الأعمال الذى أعلن عن تكفُّلهِ بتوفير المبالغ المطلوبة لزرع أطراف صناعية لمن يحتاج، وغير ذلك من تكاليف علاجية، وقد حاولتُ قدر جهدى معرفة اسمه من خلال مساعده، لكنه رفض. إنه رجل محترم يعرف أن «حبّ الظهور يقصم الظهور»، وأن الشرف الحقيقى هو أن ينال الشهرة والمكانة فى الملأ الأعلى بما قدّمه لوطنه، ولعله يدخل ضمن الذين قال الله عنهم: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون عُلواً فى الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين)، وإن كنت ما زلتُ عند دعوتى بأن يُعْلَن عن اسمه ليكون مثلاً يُحتذى لغيره، وهذا لا ينافى صدقه وإخلاصه.
فى موكب الشهامة أيضاً امتلأ مستشفى طهطا بأكياس الدم من المتبرعين، كما أعلن أهالى طهطا استضافة المصابين وأهاليهم، وقام كبار أطباء المدينة والصيادلة بالمساهمة فى توفير الاحتياجات المطلوبة.
وفى موكب الإحياء والشهامة ظهر الحاج «صبرى النحاس» صاحب مطعم مشهور بطهطا بتسخير المطعم لتكون مهمته تجهيز الوجبات مجاناً للمصابين وأهاليهم، وتوفير مكان للإقامة، وفى المشهد نفسه ظهرت مطاعم ومقاهٍ لهذا الغرض الإنسانى، وقامت شركة «أوتوبيس الكودى» بدورها فى التعامل مع الحدث، وكل ما ذكرناه إنما هو نماذج بسيطة، وإلا فهناك نماذج أخرى لا تُعد ولا تُحصى لحقت بموكب المروءة والكرم والشهامة.
ولم يكنْ هذا التحرك الإنسانى العظيم له هدف سياسى أو فكرى أو تنظيمى أو أيديولوجى أو استجابة لتعليمات حزبية أو سياسية أو تيارات أو تنظيمات هنا وهناك، بل كان المحرك لهذه المواقف دواعى الوطنية والإنسانية والمروءة والشجاعة التى تقتضيها الأصول الصعيدية، وما فعله أهل طهطا خصوصاً وأهل سوهاج عموماً واجب عليهم، لكنه يُسجَّلُ فى دفاتر الشهامة والشجاعة بكل فخر وامتنان.
بقى أنْ نشير إلى أن البيان الأول للنيابة العامة كان قوياً، ويدل على أن النيابة سوف تضع يدها على المتسبّب والمقصر، والشعب المصرى كله فى انتظار البيان النهائى الذى يكشف تفاصيل حقيقة ما حدث، لتوقيع العقاب عليه أياً ما كان هو.
رحم اللهُ الشهداء، وألهم أهاليهم الصبر والسلوان، وأجزل الثواب لأهل الخير والفضل، وحفظ مصر وأهلها من كل سوء.