شاركت فى أكتوبر من عام 2014 فى الحوار المصرى الأمريكى فى واشنطن ضمن وفد مصرى ضم عدداً من الشخصيات المصرية، فى مقدمتهم وزير الخارجية السابق محمد العرابى والسفير محمود كارم ودكتور أندريا زكى، رئيس الطائفة الأنجيلية المصرية. حيث التقينا بالعديد من نواب الكونجرس والبيت الأبيض وممثلى الإعلام ومنظمات المجتمع المدنى. وبعد كلمتى التى ألقيتها فى جلسة أدارها جيمس زغبى، مدير مركز زغبى للدراسات السياسية وصناعة الفكر، سألنى «زغبى» عن شكل الديمقراطية التى أريدها لبلادى إن كنت أدعم النظام السياسى فى مصر بعد ثورة 30 يونيو 2013؟ فأجبته بأننى كغيرى أضع ما يتمتع به المواطن الأمريكى من مظاهر ممارسة الديمقراطية فى اعتبارى وأنا أجيب سؤاله، ولكن هل يتمتع حقاً المواطن الأمريكى بالديمقراطية بما تعنيه الكلمة؟ وفسرت سؤالى بأن الشعب الأمريكى لا يختلف عن كثير من شعوب العالم التى تركت مسئولية السياسة لنخب بلادها السياسية والمالية والدبلوماسية وانصرف لأحواله التى تم ربطه بها من استهلاك وقروض وأحوال طقس. وقلت له إننى أتابع الحياة السياسية الأمريكية وألحظ عليها مثلاً أن لا أحد يفوز برئاسة الجمهورية من خارج الحزبين الرئيسيين الجمهورى والديمقراطى رغم وجود مرشحين مستقلين خاضوا الانتخابات على مدار التاريخ الأمريكى الممتد عبر نحو مائتى عام، فالرئيس الأمريكى إما أن يكون فيلاً أو يكون حماراً -وهما رمزا الحزبين الأمريكيين- فهل يعنى هذا عدم وجود حيوانات أخرى فى الغابة؟ ولكن إذا كان هذا ما اتفق عليه الأمريكان وارتضوه، فهذا شأنهم وليس من حقى التدخل فى شأن قرروه لأنفسهم، تماماً كما أنه ليس من حق الأمريكان التدخل فى رؤيتهم للديمقراطية فى بلادى أو أى بلد آخر لفرض نموذجهم الخاص بهم وإلا صاروا نموذجاً للديكتاتورية.
تذكرت تلك الواقعة وأنا أتابع تصريحات وزير الخارجية الصينى «وانج يى» أمس الأول السبت حين صرح بأن الديمقراطية ليست «كوكاكولا» فى إشارة لأشهر مشروب أمريكى على وجه الكره الأرضية، وأن الولايات المتحدة الأمريكية لن تستطيع إجبار العالم أن يكون بنفس المذاق والنكهة التى ابتكرتها وتروج لها. وقد جاء ذلك فى معرض حديث الوزير الصينى فى لقاء بالفيديو كونفرانس مع ممثلى مجلس العلاقات الخارجية الأمريكى وتناقلته وكالات الأنباء العالمية، حيث قال: «لا يمكن لأى قوة، أن تنكر المسار الذى اختارته البلدان الأخرى، ولن يغير أى بلد نظامه وفقاً للإعجاب وعدم الإعجاب من جانب الآخرين. فى النهاية، فقط شعب البلد يمكنه تقرير، هل النظام والمسار الذى تم اختياره صحيح أم لا». وأضاف أن الصين لا تتبنى نماذج أجنبية، ولا تصدر أيديولوجيتها ولا تطلب من الدول الأخرى تقليد أساليبها.
تلك هى الأزمة الأمريكية مع العالم، إذ تصف الحقوق والحريات بالجنسية الأمريكية وتفرض على شعوب العالم تطبيقها بمذاقها الخاص وإن لم تفعل صارت متهمة بإفساد الحريات والديمقراطية! وهو اتهام ديكتاتورى لأن ما يصلح لشعب لا يصلح للآخر. ولكن واشنطن تفرض على العالم عولمة السياسة وأفكارها ورؤاها بالترهيب والترغيب والتآمر والخراب، كما تفرض علينا زجاجات الكوكاكولا؟!