عودتنا فرنسا التى تمسكت بالنظام الجمهورى أن تسجل نظمها السياسية طبقاً لتوجهات رئيس الجمهورية، وعليه فقد صنفت مراحلها السياسية بأسماء رؤساء كل جمهورية، فكانت جمهورية شارل ديجول الأولى، وتلتها جمهوريات جيسكاردستان وميتران وجورج بومبيدو وجاك شيراك ورجل القذافى الذى يحاسب قضائياً الآن. وهكذا فى مصر نصنّف الزمن الجمهورى برئيس الجمهورية.. جمال عبدالناصر الجمهورية الأولى باعتبار أن فترة نجيب كانت مؤقتة، ثم السادات الجمهورية الثانية، ثم مبارك الجمهورية الثالثة، ثم الرئيس السيسى الجمهورية الرابعة. وإذا أردنا أن ننظر للصفات الغالبة فى كل جمهورية فسنجد أن لكل جمهورية إنجازاً مميزاً نستطيع أن نصفها به، فعبدالناصر رمز العروبة وتحرير الدول العربية والأفريقية بعد طول احتلال، وانتهى زمنه بنكسة يونيو التى دفع حياته حزناً بسببها، والسادات حرب أكتوبر وتحرير الأرض المصرية كاملة ودخل التاريخ المصرى محققاً أعظم انتصار ومحرراً كامل الأرض المصرية وموقعاً اتفاقية سلام أنقذت مصر من دوامة الحرب واستمرار نزيف الدم وخسارة موارد الدولة وأعز شبابها فى معارك وهمية ودفاعاً عن آخرين فى زمن تتحكم القوى العظمى فى مقدراته وترفض السماح لقوى إقليمية بإدارة شئون الإقليم دون إرادتهم.
وجاء عصر مبارك عصراً تحررت فيه مصر بآخر شبر فيها وأعنى طابا التى خاضت مصر فيها معارك قانونية لا تقل عن المعارك الحربية ضراوة وإصراراً وبحثاً عن الوثائق فى كافة أرشيفات دول العالم والحصول على وثائق رسم حدود مصر التى لم تتغير منذ فجر التاريخ فى مربعها الثابت وركنها الركين بين البحرين الأبيض والأحمر والصحراوين الغربية فى صحراء أفريقيا العظمى والشرقية ضمن امتداد صحارى السعودية وفلسطين والأردن، وكان هذا أعظم إنجاز سياسى لحسنى مبارك.. استكمال تحرير الأرض المصرية بشكل كامل.
ثم تولى مرسى الرئاسة المهتزة لمصر وفتح الباب المصرى على مصراعيه لكل جماعات التطرف الدينى من داعش إلى أسامة بن لادن إلى الظواهرى وغيرهم من قادة التطرف الدينى العنيف والمدمر والمكفر لكل من يختلف معه حتى لو قال «أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله». ثم كانت ثورة يونيو المجيدة مارداً عملاقاً خرجت فيه مصر عن بكرة أبيها رافضة حكم المرشد بشعار «يسقط يسقط حكم المرشد»، وما زال هذا الشعار يزلزل نظم دول حالية تخشى من مصير إخوان مصر الذين تفاجأوا بهبّة وغضبة الشعب المصرى من أسوان إلى الإسكندرية، وسجلت كاميرات العالم كله أكبر طوفان بشرى فى التاريخ تحت علم واحد وهو علم مصر.
ولقد كان الدور المحترم والوطنى الراقى المخلص للمستشار عدلى منصور وقفة لا تُنسى حين أصدرت المحكمة الدستورية قرارها المزلزل ببطلان البيان الرئاسى لمرسى، فانفجرت جموع الشعب ملتفة حول قائد الجيش ووزير الدفاع عبدالفتاح السيسى، ولم لا والجيش المصرى عبر التاريخ هو سند الشعب المصرى!! لم يخذل السيسى أمل الشعب فيه، وأعلن بوضوح أن الشعب المصرى تعب كثيراً ويحتاج من يربت على كتفه ويحنو عليه، وكانت جملته شرارة حب وطنى لرجل حمل رأسه على كفه قائلاً: من يقترب من مصر سأقطع يده! وسرت هذه الجملة فى نفوس المصريين سريان النيل فى الوادى، فانفجرت الجموع التفافاً حول السيسى، وانتشرت بعفوية غريبة وفى كافة القرى والمدن أغنية «تسلم الأيادى.. تسلم يا جيش بلادى»، وكانت وما زالت هذه الأغنية من أحب الأغانى للشعب المصرى، يغنونها فى أفراحهم فى كل مكان وعلى كل مستوى من أغنى الأغنياء إلى أفقر الفقراء. فعلاً جزاك الله خيراً يا سيسى، يكفيك إعادة مصر الوطن والدرع والمظلة الحامية للوطن العربى والقيادة الواعية لأفريقيا والبحر المتوسط.