الثابت تاريخياً أن التحالفات السياسية بطبيعتها تضم أطرافاً متناقضة، ويمكن أن يتحالف أقصى اليمين مع أقصى اليسار على هدف واحد، وبعد بلوغ هذا الهدف تتفكك جميع التحالفات.
هذا ما حدث تماماً فى إطار التحضير لثورة ٣٠ يونيو، لم تجد الأحزاب والقوى السياسية مفراً من التحالف فى مواجهة حكم المرشد وجماعته الإرهابية، ولم يكن هناك بديل آخر لذلك حتى لا تتسع الهوة بين جميع الأحزاب السياسية و«حزب الكنبة» الذى يضم ملايين المصريين الذين أدركوا أن بلادهم تحت حكم المتأسلمين الظلاميين تتقهقر للقرون الوسطى.
الجميع تحالفوا من أجل هدف واحد.. إسقاط حكم المرشد، وليس مجرد عزل مندوبه فى قصر الرئاسة، ونجحت الثورة وتحقق الهدف، وتعددت عوامل تآكل التحالف إلى أن انتهى على أرض الواقع.
بداية تآكل التحالف ارتبطت بارتباك بعض أطرافه سواء كانوا أفراداً أو أحزاباً أو قوى سياسية فى تقييم عملية فض اعتصام قيادات وأعضاء الجماعة الإرهابية فى ميدانَى النهضة ورابعة، وظل القلب الصلب للتحالف «حزب الكنبة» متمسكاً بموقفه الداعم للثورة، ومسانداً بقوة لجهود القوات المسلحة والشرطة فى مكافحة الإرهاب، وهو ما تأكد بتوافد عشرات الملايين على كل الميادين الرئيسية فى كل المحافظات، يوم الجمعة ٢٦ يوليو ٢٠١٣ -فى صورة طبق الأصل من الثورة- للمشاركة فى مظاهرات «تفويض الجيش»، التى دعا إليها الفريق أول عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع -آنذاك- ليعطيه الشعب تفويضاً لمواجهة العنف والإرهاب المحتمل.
ومع انتخابات الرئاسة فى العام التالى أكد «حزب الكنبة» دعمه للثورة بانتخاب عبدالفتاح السيسى رئيساً للجمهورية بنسبة أصوات بلغت ٩٠% مقابل ٢% لمنافسه حمدين صباحى الذى حظى ببضعة آلاف من أصوات المنتمين لأحزاب كانت ضمن التحالف.
وتعددت مواقف الأحزاب والقوى السياسية من المشاركة فى الانتخابات النيابية التى تلت انتخابات الرئاسة، وفيما قاطعت الانتخابات بعض الأحزاب اعتراضاً على القانون المنظم لها، وتقسيم الدوائر، ورفض النظام المشترك بين المقاعد الفردية والقائمة، شاركت أحزاب أخرى بالترشح على المقاعد الفردية فقط، وشارك بعضها فى الترشح على المقاعد الفردية والقوائم ضمن تحالف انتخابى مغاير تماماً للتحالف السياسى المشارك فى ثورة ٣٠ يونيو، وهو ما تكرر أيضاً فى انتخابات العام الماضى ٢٠٢٠.
التحالف السياسى الذى كان محملاً بمفردات ورموز غابت بعد أشهر قليلة، تحول إلى تحالف انتخابى فى سياق مسيرة الثورة نفسها وإن لم يضم كل الأطراف.
فى مقدمة كتابه «بعد أن تسكت المدافع» الصادر سنة 1975، قال الكاتب والمحلل السياسى الكبير محمد سيد أحمد: «إن العالم يتحول بسرعة، ولا يرحم المتخلف، علينا أن نتعلم كيف نتصدى لما يصدمنا، وألا يشل تفكيرنا ما يوجعنا»، «إننا فى عصر «ثورة». وليست «الثورة» مصطلحات ثورية فقط، ولا هى تمجيد أو تقديس أحداث.. كانت «ثورة» فى يوم ما.. بل عملية حلقاتها متصلة، متجددة أبداً، متسعة الآفاق أبداً، هى أن نقفز باستمرار إلى أبعد، وأن نفتش باستمرار عما هو ناشئ، وندفع بالمولود الجديد إلى الحياة، أياً كانت آلام المخاض».
بدأت الثورة بتحالف محدِّد هدفه بدقة ووضوح، والآن مع كثير من التحولات -الداخلية والخارجية- تحتاج تحالفاً آخر يدعم مسيرتها ويدعمها فى مواجهة التحديات التى تواجهها.
استأذنكم فى انتظار المقال التالى.