وقعت فى أرشيفى على مخطوطة ترجمة ترجع إلى أكثر من ثلاثين عاماً، لخاتمة كتاب:
«الماشون وهم نائمون»، أو «الماشون نياماً» «Sleep walkers»، وهو واحد من أروع كتب الكاتب المجرى الإنجليزى «آرثر كوستلر» Arthur Koestler.. كتبه عن تاريخ تغير فكرة الإنسان عن الكون: A History Of Man، s changing vision Of The Univers.
وصدرت أولى طبعاته سنة 1959، وأعيد نشره عدة مرات. وأعادت نشره دار بنجوين الشهيرة مرتين فى سنة 1964 ثم فى سنة 1968، ثم عادت بنجوين أركانا إلى نشره للمرة الثالثة سنة 1989.
وآرثر كوستلر كاتب ذائع الصيت، عمل مراسلاً حربياً، وخاض حياة مليئة بالأحداث والمغامرات، بالإسهام وبالأفعال والكتابات.. ولد فى بودابست بالمجر سنة 1905 وتوفى 1983، درس فى جامعة فيينا بالنمسا قبل أن ينخرط فى الصحافة وعمل مراسلًا أجنبياً متنقلاً ما بين الشرق الأوسط وباريس وموسكو. وفى سنة 1937 أثناء تغطيته لأخبار الحرب الأهلية الإسبانية لمجلة «نيوز كرونيكل» وقع فى أسر قوات الجنرال فرانكو، وعاش فترة فى السجن انتظاراً لإرساله للموت، ثم أطلق سراحه بتدخل من الحكومة البريطانية، وعاد إلى لندن حيث استمر فى الحياة فيها منذ عام 1941، وكتب عن الحرب الأهلية الإسبانية، ومن مؤلفاته: «الوصية الإسبانية» (1937)، وفى أثناء الحرب خدم فى الفيلق الفرنسى الخارجى، وخدم فى الجيش الإنجليزى، وفى سنة 1945 اشتغل مراسلاً خاصاً لجريدة التايمز فى فلسطين. وطوال السنوات العشر بين سنتى 1940، و1950 صار ربما أكثر كتاب الروايات السياسية انتشاراً. واعتبرت روايته «ظلام فى القمر» Darkness at moon درته الكبرى، ونشرت فى عام 1940، أتبعها برواية «الوصول والرحيل» (1943)، ومن مؤلفاته: «محاورة مع الموت» (1942)، «المصارع» (1939)، «حثالة الأرض» (1941)، «ظلام فى الظهيرة» (1941)، «اللصوص والليل» (1946)، وكتب: «الاستبصار والنظرة العامة.. بحث فى الأسس المشتركة للعلم والفن والأخلاق الاجتماعية» (1949)، ثم «عمر الشوق» (أو الرغبة) «The age of longing» (1951) ثم «The call Girls» (1972).
ومنذ سنة 1956، بدأ غوصه فى مسائل العلم والتصوف، وصارت له شعبية كبيرة بين الشباب، وفى إيضاح اهتماماته المتنوعة، كتب أنه صنع رواياته من خلال معاركه مع الأحوال الإنسانية، وأن كتبه سعت إلى تحليل هذه الأحوال والظروف فى صياغة علمية، وأن الإعلام كان له أثر بالغ فى انتشاره، وأنه على أية حال كان يمكن دون الإعلام ألا يشعر إلا بنصف حياته!
وكتاب «الماشون وهم نائمون»، أو «الماشون نياماً» The Sleep Walkers الصادر سنة (1959)، هو بداية ثلاثية حول العقل البشرى، أعقبها كتاب «عملية الخلق» Act of creation (1964)، وانتهت بكتابه الثالث: «الشبح فى الآلة» The Ghost in the machine (1967).
وفاز «كوستلر» بجائزة جامعة كوبنهاجن سنة 1968، وبكثيرٍ من شهادات التكريم، واحتل مكانه كأحد الكتاب المرموقين عالمياً، والمتميزين فى الكتابات الأدبية والإنسانية.
والخاتمة، أو الختام Epoligue، التى عثرت فى أرشيفى على مخطوطة ترجمتها، هى كما حدّثتك لكتابه «الماشون وهم نائمون» أو «الماشون نياماً» The Sleep Walkers.. وجمعت هذه الخاتمة خلاصة فكره عن تاريخ تغير فكرة الإنسان عن الكون، وقد عَنّ لى عندما عاودت قراءتها بعد هذه السنين، أن أقدمها لـ«الهلال الشهرى» الذى قدمت له سلفاً ترجمة فصول «قد تكون الديانة تجسيداً للعقل» من كتاب سانتايانا الكبير «حياة العقل» The life of Reason، ونُشِرَت على عشرة أشهر ثم صدرت فى كتاب الهلال نوفمبر 2009، وانتويت أن أقترحها على الأستاذ عادل عبدالصمد، رئيس التحرير القدير لمجموعة كتاب وروايات ومجلة الهلال، لتُنشر بالهلال الشهرى بعد انتهاء نشر المقالات السبعة المترجمة الجارى نشرها الآن عن كتاب العالم الإنجليزى آرثر ستانلى إدينجتون: «الواقع أو الحقيقة» Reality.
وأزمعت توطئة لهذه الفكرة، أن أعاود النظر فى الترجمة على الأصل الإنجليزى، ولكنى للأسف لم أعثر على الكتاب فى مكتبتى، ولعله فُقد أثناء تنقلاتى المتكررة، أو باستعارة لم تُرد، كما جرى مع معظم الناس حتى أقلعت تماماً عن إعارة أى كتاب، مهما كانت الصداقة أو الثقة، لأن الشائع فى الغالب الأعم أن عدم رد الكتاب يدخل فى المباحات غير المحظورة، لا سيما بين الأقارب والأصدقاء.
حاولت أن أعثر على نسخة من الكتاب The Sleep Walkers فى مكتبات القاهرة التى أخذت فى الانقراض لتحل محلها متاجر الأحذية التى تكاثرت تكاثراً لا يتفق مع معدلات البيع ما يستلفت النظر ويثير علامات استفهام يجب البحث لها عن جواب أو تفسير!
المهم أننى لم أعثر على الكتاب بالقاهرة، فيمّمت بمساعدة ابنتى وبعض زملائى بالمكتب شطر شبكة الإنترنت، فوجدت مواد كثيرة منشورة عن المؤلف آرثر كوستلر، وعن مؤلفاته المتنوعة، وعن كتابه The Sleep Walkers فيما عدا مادة هذا الكتاب، فلا بد للحصول عليها من أن أشترى الكتاب، من دار بنجوين أركانا فى لندن، وبالجنيه الإسترلينى، وإلاّ فلا سبيل للمراجعة النهائية التى أرجو بها تحقيق مخطوطة الترجمة القديمة قبل أن أبعث بها إلى مجلة الهلال الشهرى وقد فعلت. كان لا بد مما ليس منه بد، الكتاب سعره بالجنيه الإسترلينى 16.99 U.k كنظام «باتا» زمان. السعر، إذن، 17جنيهاً إسترلينياً، تكلف بحسبة بسيطة قرابة 160 جنيهاً مصرياً، كان علىّ أن أرسلها بالإسترلينى إلى دار بنجوين وقد كان، واستعوضت الله فى المائة وستين جنيهاً ضريبة واجبة لضبط وتدقيق الترجمة.
فلما وصل الكتاب، رزئت بأكثر من مائة جنيه أخرى ما بين سعر الشحن والضريبة الجمركية التى تأبى مصلحة الجمارك إلاّ أن تفرضها على الكتاب. هل هذا معقول فى زمن نتنادى فيه بوجوب العودة إلى الثقافة وإنارة العقول؟!
كنت قد كتبت منذ عدة شهور مستجيراً من ارتفاع أسعار الكتب مع تناقص المكتبات فى مصر المحروسة، فجاءنى درس عبر البحار: «ألا فهوّن عليك» ها هو كتاب من بلاد الإنجليز كَبَّدك قرابة 270 جنيهاً مصرياً، فاحمد ربك على أسعار الكتب فى مصر!!! حمدت ربى، وراودنى الأمل وأنا ألتهم صفحات الكتاب، أن أترجمه كاملاً لأهمية وتميز موضوعه، فوجدت عدد صفحاته قد بلغ بالإنجليزية 623 صفحة، تحتاج إلى وقت وجهد كبيرين لم يعد فى الوسع توفيرهما بين أعباء المحاماة والمقالات والكتابات شبه اليومية، فارتددت قانعاً بختام أو خاتمة الكتاب، الواقعة فى نحو (90) صفحة، معزياً نفسى بأن بها خلاصة وعصارة ما فى هذا الكتاب الذى أرجو أن يتصدى لترجمته أحد مترجمينا الكبار، يشفع لرجائى أن به ما يستحق أن يُنقل إلى قراء العربية!