لا يزال المستهلك يشكو من ارتفاع أسعار طبق البيض، الذى هبط سعره فى البقالات والسوبر ماركت الصغير إلى ما دون 50 جنيهاً، ليكتشف أهل الصناعة (المربون) أن تراجع السعر بعشرة جنيهات جملة واحدة خلال عشرة أيام فقط، ما هو إلا فوز من التجار والسماسرة، بتثبيت أرباحهم، وخسارة المنتجين إلى حد 9 جنيهات لكل طبق.
وبالتنقيب فى دفاتر عنابر إنتاج بيض المائدة، فى شركات مختلفة التصنيف، تبين ثبات التكلفة بحسابات صباح الخميس 11 نوفمبر الجارى، عند 45 جنيهاً و55 قرشاً لطبق البيض، فى الوقت الذى تم تنفيذ البيع فى اليوم ذاته بسعر 37 جنيهاً فقط للطبق، ليحصل المستهلك عليه بسعر 50 جنيهاً.
ولمن يريد أن يعقل هذا الحديث، سواء كان مستهلكاً أو مسئولاً عن ملف إنتاج الغذاء فى مصر، فإن كل طبق بيض مائدة (30 بيضة)، ينتج من 4.5 كجم علف، بإجمالى 31.5 جنيه (7000 جنيه للطن حالياً).
ومن الثابت علمياً وفنياً وعنبرياً، فإن تكلفة الأعلاف تمثل نحو 70٪ من إجمالى تكلفة البيض، فإن التكلفة الكلية لطبق البيض بحسابات اليوم ذاته تصل إلى 45.55 جنيه، لنصل إلى نتيجة ذات مذاق مر، لأن هذه الخسائر تعنى فقد نحو 10 ملايين جنيه يومياً من استثمارات هذه الصناعة الوطنية، إذا علمنا أن إنتاج مصر من بيض المائدة تراجع حالياً إلى ما دون مليون طبق يومياً، بعد أن كان قد تخطى 1.67 مليون طبق كل طلعة شمس، أى بنقص يومى قدره نحو 5 ملايين بيضة.
والحسرة التى تصيب المنتجين حالياً، مبعثها عدم تجسير هذه الخسارة لصالح المستهلك، وإنما لصالح فريقين: الأول نحو 3000 تاجر على مستوى الجمهورية يلتهمون أرزاق نحو مليون عامل فى مجال إنتاج بيض المائدة، والثانى مصنّعو المخبوزات والحلويات الذين يستهلكون 70٪ من إنتاج عنابر البيض فى مصر، ويبيعون قطعة الكيك أو الجاتوه بسبعة أضعاف سعر البيضة التى يحصلون عليها بأقل من 123 قرشاً، فى وقت تبلغ تكلفة إنتاجها 152 قرشاً.
من هذه الحسابات شبه الدقيقة، يتبين للمنتجين أنهم لا يدعمون المستهلك، الذى تصرخ لأجله وسائل إعلام لا تقف على الحقيقة المرة، التى منها: اقتراب محطات كبيرة لإنتاج البيض من تصفية القطعان ببيعها لحماً لتجار التسمين، وعدم تجديدها بقطعان شابة، وبالتالى إحداث فجوة إنتاجية لا مجال لمعالجتها إلا بالاستيراد (مُبَستَر ومجفف)، وهو هدف (نام فى الذرة) من أجله مستوردون كبار، فى انتظار هذه المرحلة بلا ملل، لعلمهم أن حافلة الإنتاج ستتعطل لا محالة فى يوم آتٍ.
فلسفة تجار الحروب والأزمات مبنية على قاعدة صحيحة، تقول: إن البيض والسلع الطازجة لا تُخزَّن طويلاً، لكن الجنيه يكسب بالتخزين، وبالتالى فإن نَفَس المستورد طويل على دكة الانتظار، بينما لا يتحمّل المنتجون تجويع قطعانهم يوماً أو بعض يوم، وإذا تحمّل البيض التخزين لسبعة أيام، فإن بائع الأعلاف وخاماتها لا يتحمل استدانة المنتجين أكثر من 48 ساعة فى وقت تقفز فيه أسعار الخامات مرة أو مرتين كل يوم.
نهاية: قد لا يتصور المستهلك والمسئول معاً أن أزمة الدواجن وبيض المائدة فى طريقها للتصاعد، لدرجة أن منتجين كباراً قد أكدوا أن المسئول قد يصحو ذات يوم على اختفاء البيض من السوق، ولارتفاع الطلب عليه، وعدم الاستغناء عن وجبة البيض للطفل والشاب والكهل يومياً، سيقفز سعر البيضة الواحدة إلى نحو 5 جنيهات، ووقتها لا يجدى النظر إلى الخلف.