البداية فى 27 شارع محيى الدين أبوالعز بالدقى، كنت أسمع ضربات قلبى بقوة حتى كادت تصم أذنىّ عن السمع، لقد عملت فى أماكن مختلفة، ولكن كانت هناك مشاعر مختلفة هذه المرة بداخلى، أخطو أولى خطواتى داخل المقر الضخم، فتنبت شجرة الأمل فى قلبى بتقديم صحافة مختلفة مرتبطة بالمواطن، أمل ممزوج بقطرات من الحب لمهنة الصحافة معجون بروح المغامرة والبحث عن جديد يؤثر فى نفوس الناس.
وبداخل المقر الضخم، كان العمل على قدم وساق من أجل استكمال التجهيزات، كانت المكاتب ما زالت غير موجودة، ولكن كانت هناك روح المثابرة والإخلاص التى تنتشر بين الجميع كأنها رائحة حلوة «معدية»، فكنا نعمل من الخارج لفترة حتى اكتمل التجهيز، ثم انطلقت التجربة كأنها نهر لا يتوقف عن العطاء ولا ينضب.
وفى قسم الأخيرة والمنوعات، الذى اشتهر بين أهل «الوطن» بـ«ملوك الفيتشر»، كان الحال أشبه بمباراة بين الجميع، الكل يجرى فى ملعب الصحافة، أما هدفنا فكان واحداً هو المواطن البسيط، نبحث عنه لكى نقول له: هذه مساحتك، احكِ فيها أحلامك وآمالك وهمومك. لا نكتفى بالجلوس فى المكاتب، بل نتجول فى الشوارع والأحياء لكى نصل إلى قصة جديدة فقط.
10 سنوات أتذكر فيها جولات أقوم بها من الصباح الباكر وحتى ساعات الليل الأولى، ألفّ القاهرة الكبرى من شرقها لغربها، بلا كلل أو تعب، بحثاً عن حكاية لمواطن مؤثرة أو مليئة بالعبر الإنسانية أو المفارقات المدهشة، أحياناً كنت أفوّت ميعاد الإفطار فى رمضان، أحياناً أخرى أجلس 3 شيفتات متواصلة، فالرحلة تستحق والهدف سامٍ والقلب يعشق رحلته وهى حكاية يقدمها لقارئه على طبق من ذهب، حتى صار فن الفيتشر بالنسبة لى صديقى الذى أحبه ويحبنى، فيخبرنى أسراره بهدوء ورويّة.
10 سنوات مرت على بداية «الوطن» الصغير، حاول فيها استيعاب والتعبير عن أحلام الوطن الكبير، 10 سنوات مرت على وجودى فى «الوطن» تعلمت فيها الكثير، وغيرت فىّ كل شىء، ليس فقط على المستوى المهنى، بل على المستوى الاجتماعى والشخصى.
على المستوى المهنى كان هناك مهنة الصحافة التى تشرّبتها رشفة رشفة، وأقول خجلاً فهمت بعض أسرارها، فـ«صاحبة الجلالة» لا تفشى أسرارها بسهولة، وانطلقت فى صناعة ملفات إنسانية حاولت بكل جهد أن تكون صوت المواطن، وحوارات مع شخصيات مؤثرة فى المجتمع مليئة بالحب والمعانى الإنسانية، منهم عمر خيرت، ناجى شاكر، محمد المنسى قنديل، نصير شمة، أحمد مراد، وتكللت تلك الجهود بالترشيح لجوائز الصحافة المصرية عام 2020 ثم الفوز بالمركز الأول فى مسابقة مشروع الصحافة والعلوم على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
أما على المستوى الشخصى فما تعلمته فى «الوطن» يحتاج إلى صفحات وأحبار بحجم البحار، فهناك النضج وفهم لمعنى الحياة، صداقات العمر التى تسند المرء فى رحلته، والزوج الذى سلب منى قلبى ولم يمنحه لى حتى الآن.
10 سنوات مرت على ظهور «الوطن» كأنها لحظات خاطفة فى لمح البصر من جمالها وشدتها وقوتها، لذا «وطنى» الصغير كل عام وأنت بخير، فقد مرت صحيح 10 سنوات ولكن ما زال الحلم مستمر.