تعد الحضانة إحدى المسائل الشائكة فى قضايا الأحوال الشخصية، ويتركز الجدل فى هذا الشأن حول أمور ثلاثة: أولها؛ ترتيب الأب بين المستحقين للحضانة، والذى يأتى فى المرتبة السادسة عشرة وفقاً للقانون المصرى. أما ثانيها فهو حق غير الحاضن من الوالدين، وهو الأب فى الأغلب الأعم من الأحوال، فى رؤية ولده الموجود فى حضانة أمه أو فى حضانة غيرها من النساء المستحقات للحضانة، والذى يقتصر على مجرد رؤيته لمدة سويعات محدودة، لا تتجاوز الساعات الثلاث أسبوعياً، فى أحد النوادى الاجتماعية أو فى أحد الأماكن العامة. والمسألة الثالثة هى انتهاء سن الحضانة، التى تتحدد وفقاً للقانون المصرى «ببلوغ الصغير أو الصغيرة سن الخامسة عشرة، ويخير القاضى الصغير أو الصغيرة بعد بلوغ هذه السن فى البقاء فى يد الحاضنة دون أجر حضانة وذلك حتى يبلغ الصغير سن الرشد وحتى تتزوج الصغيرة». وهنا، يبدو مستغرباً أن تمتد سن الحضانة بالنسبة للصغير إلى الخامسة عشرة، مع منح الصغير أو الصغيرة، بعد بلوغ هذه السن، الحق فى اختيار البقاء فى يد الحاضنة دون أجر حضانة، وذلك حتى يبلغ الصغير سن الرشد، بما معناه حرمان الأب من علاقة حقيقية مع ابنه طوال فترة الطفولة، الأمر الذى يغلب معه امتداد الحالة ذاتها طيلة حياة الولد.
ورغم أن الأمر يتعلق بإشكاليات ثلاث على النحو سالف الذكر، فإن الحل بالنسبة لها جميعاً يمكن أن يكون واحداً، من خلال تبنى ما يطلق عليه فى العديد من التشريعات الأجنبية «الحضانة المشتركة» (Joint Custody)، وبحيث يتقاسم الوالدان حضانة الطفل، بأن يكون لكل واحد منهما الحق فى استضافته عدداً محدداً من أيام الأسبوع. وتوجد على شبكة الإنترنت بعض التطبيقات أو البرامج الإلكترونية التى تساعد الوالدين على إنشاء اتفاقية الحضانة المشتركة الخاصة بهما، كما هو الشأن بالنسبة لتطبيق أو برنامج (Custody X Change)، الذى يعرّف نفسه بأنه عبارة عن «برنامج يقوم بإنشاء خطط الأبوة والأمومة. أنت تجعل كل جزء من الاتفاقية الخاصة بك، وبعد ذلك يمكنك طباعة المستندات الاحترافية لخطتك».
وقد أخذت بعض التشريعات العربية بمبدأ «الحضانة المشتركة»، وإن كان ذلك قد جاء مقصوراً على الأحوال الشخصية لغير المسلمين، أو فى إطار ما أطلق عليه قانون الزواج المدنى وآثاره. فوفقاً للمادة التاسعة من القانون رقم (14) لسنة 2021 فى شأن الزواج المدنى وآثاره فى إمارة أبوظبى، وتحت عنوان «الحضانة المشتركة»: «1. حضانة الأبناء حق مشترك ومتساوٍ للأب والأم بعد وقوع الطلاق، وهى كذلك حق للأبناء فى عدم استئثار أحد الأبوين دون الآخر بحق تربية ورؤية الابن، وذلك حفاظاً على الصحة النفسية للمحضون والحد من آثار الطلاق على الأبناء. 2. الأصل فى حضانة الأبناء هو اشتراك الأب والأم معاً فى مسئولية تربية الأبناء بعد وقوع الطلاق، ما لم يطلب أحدهما التنازل كتابة أمام المحكمة عن حقه فى الحضانة أو تقديم طلب للمحكمة بعزل الطرف الآخر من الحضانة المشتركة وإسقاط حقه فى الحضانة لأى سبب تقبله المحكمة مثل عوارض الأهلية أو خطورة اشتراك الشخص فى الحضانة أو عدم قيام الحاضن المشترك بمهامه. 3. فى حالة اختلاف الأب والأم فى أى أمر من أمور الحضانة المشتركة، يحق لأى منهما التقدم بطلب للمحكمة وفق النموذج المعد لهذا الغرض للاعتراض أو طلب تدخل المحكمة للفصل فى الأمر محل الخلاف». وتحت عنوان «الخلافات الناتجة عن الحضانة المشتركة»، تخول المادة العاشرة من القانون ذاته «للمحكمة السلطة التقديرية لتقرير ما تراه مناسباً لمصلحة المحضون، وذلك بناء على طلب أى من الأبوين بعد وقوع الطلاق».
ولا شك فى أن «الحضانة المشتركة» هى الحل الأمثل الذى يحقق المصالح الفضلى للمحضون، ولكن هذا الحل يتوقف على النية الحسنة للوالدين وإدراك كل منهما وحرصه على تغليب الاستقرار النفسى والعاطفى والوجدانى للصغير أو الصغيرة، وعدم اللجوء إلى استغلال الصغار للانتقام من الطرف الآخر أو تصفية حسابات شخصية معه ومحاولة الإساءة إليه. ولا جدال فى أن نجاح الحضانة المشتركة مرهون بأن يكون رائد الوالدين هو تطبيق المبدأ القرآنى «فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ». بالإضافة إلى ذلك، ثمة بعض الإشكاليات الواقعية التى قد تكتنف تطبيق الحضانة المشتركة. ولذلك، وإذا لم يتسن تطبيق مبدأ الحضانة المشتركة، فلا أقل من أن يتم تطبيق الاستضافة، وعدم الاقتصار على فكرة الرؤية أو الزيارة. وهذا الحل مأخوذ به فى بعض التشريعات العربية. فعلى سبيل المثال، وطبقاً للمادة (154)، البند الأول من قانون الأحوال الشخصية الاتحادى لدولة الإمارات العربية المتحدة رقم (28) لسنة 2005م: «إذا كان المحضون فى حضانة أحد الأبوين فيحق للآخر زيارته واستزارته واستصحابه حسبما يقرر القاضى، على أن يحدد المكان والزمان المكلف بإحضار المحضون». وفى الإطار ذاته، وفى مملكة البحرين، ووفقاً للمادة (138)، البند الأول من قانون الأسرة، الصادر بالقانون رقم (19) لسنة 2017م: «إذا كان المحضون فى حضانة أحد الأبوين، فيحق للآخر زيارته واستزارته واصطحابه حسبما يقرر القاضى». وفى الاتجاه ذاته، وفى سلطنة عمان، وطبقاً للمادة (137)، البند الأول من قانون الأحوال الشخصية، الصادر بالمرسوم السلطانى رقم (32/ 97): «إذا كان المحضون فى حضانة أحد الأبوين، فيحق للآخر زيارته واستزارته واستصحابه حسبما يقرره القاضى». والبين من النصوص سالفة الذكر أن المشرع الإماراتى والبحرينى والعمانى لم يقتصر على تقرير حق غير الحاضن فى زيارة المحضون، وإنما يجيز كذلك استزارته واستصحابه. وثمة فارق بلا شك بين «الزيارة» و«الاستزارة» و«الاستصحاب». خلافاً لذلك، فإن المادة (20/2) من القانون رقم 25 لسنة 1929م بشأن بعض أحكام الأحوال الشخصية تخول فحسب «لكل من الأبوين الحق فى رؤية الصغير أو الصغيرة وللأجداد مثل ذلك عند عدم وجود الأبوين». ومن هنا يبدو من الضرورى تعديل النصوص الخاصة بالحضانة فى مشروع قانون الأحوال الشخصية أو مشروع قانون الأسرة المزمع صدوره، تحقيقاً للتوازن المنشود فى هذا الشأن.