«مكتب مكرم عبيد».. دولة «الشاطر» السرية
«من هنا كان يدير الشاطر مصر»، هكذا يمكن وصف مكتب المهندس خيرت الشاطر، نائب المرشد، بشارع مكرم عبيد، حيث كان بمثابة فرع آخر لمقر مكتب الإرشاد، الموجود بالمقطم، بل كان فى بعض الأحيان يتخطاه.
منذ خروج الشاطر من محبسه، بعد ثورة 25 يناير، عادت الحياة إلى مكتبه بمدينة نصر، لدرجة أنه تحول أثناء فترة حكم المعزول محمد مرسى، إلى مكتب مصغر لقصر الاتحادية، الذى كان مرسى يدير مصر من خلاله «شكلياً». وبدأ الدور «الخبيث» الذى يؤديه «مكتب الشاطر»، فى الظهور بوضوح، بعد لقاء جون ماكين، فى شهر مارس 2012، فى إطار وساطة للإفراج عن المتهمين الأمريكيين فى قضية التمويل الأجنبى، المتهم فيها 43 من نشطاء المجتمع المدنى من مصر والولايات المتحدة ودول أخرى، بإنشاء جمعيات أهلية والحصول على تمويل أجنبى دون ترخيص. وبالفعل نجح الشاطر فى إتمام صفقة الإفراج عن متهمى «التمويل الأجنبى»، فبعد أيام من لقاء نائب المرشد مع ماكين، تم رفع حظر السفر عن الأمريكيين المتهمين فى القضية، وغادروا القاهرة عائدين إلى بلادهم، ولعل الشكر الذى وجهه «ماكين» للإخوان، بسبب دورهم فى حل أزمة المتهمين الأمريكان كان بمثابة دليل واضح على الدور المشبوه للشاطر فى هذه القضية.
وبعد نجاح الشاطر فى اختبار «التمويل الأجنبى»، حاول ماكين مكافأة نائب المرشد، عندما قرر الترشح للانتخابات الرئاسية فى 2012، حيث التقى الشاطر، مرة أخرى، بـالسيناتور الأمريكى بمكتبه فى مدينة نصر، للحصول على الضوء الأخضر من «واشنطن» لخوض سباق «الرئاسة»، وهو ما حصل عليه بالفعل، بعد أن أكد له ماكين، خلال الاجتماع، عدم ممانعة الإدارة الأمريكية فى تولى إخوانى الرئاسة.
وبعد استبعاد الشاطر من الانتخابات حاول نائب المرشد ضمان دعم واشنطن لمحمد مرسى، حيث التقى السفيرة الأمريكية بالقاهرة، فى ذلك الوقت، آن باترسون، لدعم مرشح الإخوان فى الانتخابات، وهو ما حدث بالفعل، حيث كشفت مصادر إخوانية أن «باترسون» أكدت له، خلال الاجتماع، الذى استمر أكثر من ساعتين بمكتب الشاطر، أن الإدارة الأمريكية لا تمانع فى وصول مرسى إلى الحكم، وستدعم أى مرشح يصل إلى كرسى حكم مصر، كما تناول هذا الاجتماع الملف الاقتصادى للبلد.
ولم يكن هذا اللقاء الأخير بين الشاطر والسفيرة الأمريكية ومسئولين بمكتبه، حيث تكررت اللقاءات بعد ذلك، خصوصاً أثناء فترة حكم مرسى، وكان من أهمها اجتماع بين الشاطر و«باترسون»، بتاريخ 20 يونيو 2013، استمر لأكثر من 3 ساعات، ناقشا خلاله موقف الإخوان من مظاهرات 30 يونيو، التى دعت إليها حملة تمرد لعزل مرسى. وحسب تأكيد مصادر إخوانية لـ«الوطن»، فإن «السفيرة الأمريكية» حذرت الشاطر من تأزم موقف الإخوان، نتيجة المظاهرات، التى قد تصل إلى حد الإطاحة بمرسى، على حد تعبير السفيرة خلال الاجتماع، وهو ما قابله الشاطر بطمأنة «باترسون» بأن الوضع تحت السيطرة، والمظاهرات ليست قوية، إلا أن سفيرة واشنطن طالبت الشاطر بالجلوس مع «المعارضة» والاستجابة لمطالبهم خصوصاً فيما يتعلق بحل حكومة «قنديل»، وإلغاء الإعلان الدستورى»، وهو ما لم يستجب له نائب المرشد. ولم يتوقف مكتب الشاطر عند لقاء المسئولين الأمريكان، وعقد الصفقات المشبوهة مع الأجانب ضد مصر، بل كان أيضاً بمثابة مقر احتياطى لاجتماعات مكتب الإرشاد المهمة، التى كان يحرص التنظيم على عقدها بعيداً عن عيون الصحفيين الموجودين أمام مقر الإخوان فى المقطم، خصوصاً تلك الاجتماعات المتعلقة بإدارة شئون الرئاسة، التى كان من بينها الاجتماع الذى تم خلاله الاتفاق على إصدار الإعلان الدستورى، لتمرير الاستفتاء على دستور الإخوان.
كما اختص مكتب الشاطر باستقبال اجتماعات الإرشاد، بحضور الخلايا الإخوانية الأخرى غير المعروفة للإعلام، إضافة إلى الشخصيات المتحالفة مع النظام الإخوانى ومن بينهم مؤسس حزب الغد، الدكتور أيمن نور، ووليد شرابى، القيادى بجبهة استقلال القضاء الإخوانية، حيث حضر الأول اجتماع الإرشاد بمكتب الشاطر لتكليفه بترتيب لقاء بين عمرو مرسى، رئيس الجمعية التأسيسية الأسبق، والشاطر، بهدف إجهاض ثورة 30 يونيو، بينما حضر «شرابى» اجتماعات الإرشاد، لتنفيذ أوامر التنظيم بهدف أخونة القضاء، وضرب خصوم الإخوان، وإعداد قوانين التنظيم لفرض سيطرة ومواجهة المحكمة الدستورية فى ذلك الوقت.
كما استقبل مكتب الإرشاد، أثناء حكم مرسى، عدداً من أعضاء الفريق الرئاسى الإخوانى، الذين اصطحبهم المعزول إلى الاتحادية، لإبلاغهم بالتكليفات الجديدة لـ«المعزول»، فيما يخص القوانين والقرارات الرئاسية، حيث كشفت مصادر إخوانية لـ«الوطن» أن عصام الحداد، عضو الفريق الرئاسى لمرسى، زار مكتب الشاطر أكثر من مرة. أما فيما يتعلق بالعنف، فقد أدار مكتب الشاطر، طبقاً لعمرو عمارة «الإخوانى المنشق»، بالتنسيق، مع محيى الزايط، مسئول المكتب الإدارى بشرق القاهرة، إدارة مظاهرات الإخوان، وعمليات العنف، التى عاصرت فترة حكم مرسى، وبعد عزله، ومنها أحداث الاتحادية، التى راح ضحيتها عدد من معارضى مرسى، حيث تولى «الشاطر» فكرة الحشد، وإصدار الأوامر بالتنسيق مع «الزايط». وبعد عزل مرسى، كان مكتب الشاطر يدير اعتصام رابعة، خصوصاً بعد حرق مقر الإخوان فى المقطم، حيث كان قيادات الإخوان يتنقلون بين المكتب والاعتصام القريب منه، طوال فترة الاعتصام، وقبل أن تفرض الأجهزة الأمنية السيطرة على محيطه لضبط الإخوان.