أفضل ما فعلته مسلسلات الخمس عشرة حلقة أنها قسمت جزءاً كبيراً من الدراما الرمضانية إلى نصفين، فصار بإمكان المشاهد أن يشعر بأنه استطاع الانتهاء من مشاهدة عمل متكامل سريع دون أن يضطر إلى الانتظار حتى صبيحة عيد الفطر ليعرف نهاية المسلسلات، كما صار بإمكانه أن يبدأ فى مشاهدة عمل جديد «طازج» فى منتصف الشهر.
لقد أحدث عرض المسلسلين الجديدين «مليحة» و«جودر» حالة من الانتعاش الدرامى، خاصة أنهما مختلفان نوعياً عن الأعمال التى عُرضت خلال النصف الأول من رمضان.
لقد كانت القضية الفلسطينية محوراً للعديد من الأفلام المصرية منذ أربعينات القرن الماضى، بغضّ النظر عن أن مستوى هذه الأعمال يتراوح بين قصص ميلودرامية تقليدية يُلصَق عليها موضوع فلسطين، وبين أعمال رفيعة الشأن والمضمون مثل «باب الشمس» ليسرى نصر الله. ولكن القضية الفلسطينية، على محوريتها فى التاريخ العربى كله، لم تكن محوراً لمسلسلات مصرية قبل «مليحة». وهى خطوة مهمة تأتى فى لحظة شديدة الأهمية من تاريخ هذا الصراع.. لحظة تتحول فيها القضية الفلسطينية إلى محور اهتمام العالم كله، وتحتاج إلى كل فعل وجهد ممكن فى سبيل معركة الوعى وتحريك الرأى العام العالمى.
على صُناع الأفلام والمسلسلات الآن أن يساهموا بدور فى هذه المعركة وأن يضعوا العالم (وليس الجمهور المحلى أو العربى فقط) نُصب أعينهم وهم يصنعون أعمالاً عن فلسطين.
وحتى يمكن أن نصل إلى العالم ينبغى أن نجيد اللغة «العالمية» للسينما والدراما، وألا نكتفى باللغة الفنية العامية التى لا يفهمها سوى نحن.
نعم، للفن لغات وصياغات وشروط فنية يجب أن نعرفها. من هذه الشروط أن يكون العمل محكم البناء على مستوى الكتابة، خفيض النبرة العاطفية والدعائية، غزير البلاغة البصرية وإيحاء وجمال الشعر، مع تمثيل طبيعى واقعى، ومصداقية فى التفاصيل.
من الأشياء الجيدة فى مسلسل «مليحة» مقدماته السابقة للعناوين avant titres التى تتصدّر كل حلقة، بموادها الأرشيفية والمعلومات المبسطة التى تسردها، (وليتها كانت أكثر «توثيقية» وأقل انفعالية، على طريقة تقديمات مسلسل «الحشاشين»، مثلاً).
من الأشياء الجيدة أيضاً مقدمته الغنائية التى تستلهم، صوتاً وصورة، التراث والثقافة الفلسطينية. وليتنا نهتم أكثر بنشر هذا التراث الفلسطينى الذى يثبت، أكثر من أى شىء آخر العلاقة العضوية الأبدية بين هذه الأرض وهذا الشعب.
أيضاً من الجيد هذا التوظيف لعدد كبير من الممثلين العرب. صحيح أن الممثلين العرب يشاركون بانتظام فى الأعمال الدرامية المصرية، ولكن يحتاج الأمر إلى المزيد، كما نرى فى أعمال بعض الفضائيات والمنصات العربية الأخرى. وإذا لم تكن مصر هى الحاضنة الأولى للثقافات والمواهب العربية، فمن يُمكنه أن يفعل؟!
لم يزل الوقت مبكراً للحكم على «مليحة» فنياً، ولكن فى كل الأحوال هو خطوة غير مسبوقة تفتح «جبهة» جديدة فى الدراما المصرية والعربية، ليتها تستمر!