أشعر بألم نفسي شديد حيال ما يحدث في حزب الوفد، الحقيقة أن هذا الشعور ليس بسبب الانقسامات والانشقاقات التي يشهدها الحزب مؤخرًا، فحسب، ولكنه شعور يتملكني منذ أكثر من عقدين من الزمان، منذ أن بات يوصف الوفد بحزب المقاعد الستة في البرلمان خلال فترتي التسعينيات والسنوات الأولى من الألفية الثالث، وكان شاغلو تلك المقاعد الستة يدخلون إلى البرلمان بثقلهم وبقواعدهم الجماهيرية المرتبطة بهم وبأسمائهم هم فقط، وليس ارتباطًا باسم حزب الوفد.
الألم تزايد بداخلي في عام ٢٠٠٦ ، عندما دبَّت الخلافات الشديدة بين مجموعة من قادة حزب الوفد والدكتور نعمان جمعة رئيس الحزب، وتصادف حينها أنني كنت في مهمة صحفية، وشهدت انطلاق الشرارة الأولى للصراع الذي تحول إلى إشعال نار وإطلاق رصاص، ووصل الصراع إلى ساحات النيابة والقضاء، وانتهى بإقصاء الدكتور نعمان جمعة واختيار محمود أباظة رئيسًا للحزب.
في بداية نشوب الصراع التقيت بالدكتور محمود أباظة والدكتور السيد البدوي، كل على حدة، وقلت لكليهما، إنني لست منتميًا لأي تيار أو لست عضوًا بأي حزب سياسي، ولكني كمحب لبلدي أخشى على حزب الوفد من أن يدخل أتون صراع يبعده عن تبوؤ مركز الصدارة بين الأحزاب المعارضة في مصر، وقلت أيضًا، وخصوصًا للدكتور السيد البدوي، الذي كان يشغل منصب سكرتير عام الحزب، وكان حريصًا على أن يبدو محايدًا في ذلك الصراع إنك تستطيع أن تلعب دورًا مهمًا في تجاوز الأزمة، ورغم أن البدوي وعدني خيرًا، إلا أن الأمور سارت في طريق الانقسام.
وخلال تلك الفترة أيضًا التقيت بالدكتور نعمان جمعة في منزله بالزمالك، بحضور نجلته الدكتورة إيمان وزوجها الدكتور سامي عبدالعزيز، كنت أجري حوارًا تلفزيونيًا مع الدكتور جمعة، قبل التسجيل، انفعل الدكتور نعمان وقال: "أنا غلطان إني صدقت كلام رجالة النظام، أنا لازم أقول كل حاجة.. كان جمعة قد خرج من أول انتخابات رئاسية تعددية، ضمن تسعة مرشحين نافسوا حسني مبارك.. الحقيقة وبدافع حبي لحزب الوفد قلت للدكتور جمعة، إنني كصحفي سأكون سعيدًا بما سوف تكشفه، ولكني لا أحبِّذ أن تخرج للرأي العام وتقول إنك تعرضت للخداع من نظام مبارك، وأيدني فيما قلت الدكتورة ايمان والدكتور سامي.
وخلال السنوات التسع الماضية، سارت أمور الحزب سياسيًا من سيئ إلى أسوأ، وخصوصًا بعد ثورة يناير، رغم أنه كان من المفترض أن تكون هذه الفترة، هي الفرصة المواتية للحزب صاحب التاريخ العريق، أن يكون هو الكيان السياسي الأبرز المؤهل لتولي قيادة البلاد أو قيادة المعارضة السياسية في أقل الأحوال.. ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن !!
للأسف تهاوى حزب الوفد لم يحدث بسبب تدخل رموز نظام مبارك فقط، ولكن هناك أسبابًا ومسببات كثيرة وراء هذا السقوط!