لم يألُ الرئيس التركى رجب طيب أردوغان جهداً فى التنظير للأسباب التى تؤدى إلى الإرهاب، والكيفية التى يمكن أن تواجه بها دول المنطقة هذا الداء الوبيل، وكان لمصر النصيب الأكبر من النصائح التى ساقها أردوغان فى هذا السياق، فكثيراً ما وجه اللوم إلى السلطة الحاكمة هنا على أسلوب تعاملها مع الإسلاميين بصورة تؤدى إلى توليد الإرهاب، ووجه النصح أيضاً إلى بشار الأسد، وسلقه بلسان حاد بسبب تمسكه بالحكم على غير رغبة الشعب السورى، الأمر الذى خلق بيئة مواتية للإرهاب داخل سوريا. وبعيداً عن تقييمى للصراع الدائر فى العديد من الدول العربية التى شهدت ثورات شعبية منذ عام 2011، فإننى أجد أن منظر «أردوغان» أصبح سيئاً للغاية بعد تلك «الأردغانة» التى شهدتها مدينة «أنقرة» يوم السبت الماضى، وأدت إلى مصرع ما يقرب من 100 شخص، وإصابة مئات آخرين.
أصيب الشعب التركى بصدمة كبيرة وهو يشاهد الجثث وقد أحرقتها نار الإرهاب، وخرجت «داعش» تغيظ المواطنين المصدومين والمجروحين بدماء قتلاهم وجرحاهم فهنأتهم شامتة، وكتبت لهم بعض الصفحات التابعة للتنظيم: «ألف مبروك»! ووعدت بعض الصفحات الأخرى بالمزيد. وأمام الحدث المروع خرج آلاف الأتراك منددين بسياسة «أردوغان وأوغلو»، بل وصل الأمر بالمتظاهرين إلى اتهام أردوغان بأنه القاتل الحقيقى لمواطنيه، وربما كان دافعهم إلى ذلك ما يعلمونه عن سياساته التى حولت تركيا إلى محطة لتهريب المقاتلين إلى تنظيم «داعش»، لينتشروا فى سوريا والعراق ودول المنطقة المختلفة ويقوموا بعملياتهم الإرهابية. ولو كان «أردوغان» يفهم لغة المصريين، وسبق له أن سمع المثل الذى يقول: «طباخ السم بيدوقه» لجنّب نفسه العديد من الويلات. فالترخص الذى أبدته تركيا فى التعامل مع «داعش» كان من البديهى أن يضر بتركيا، ويغرى الدواعش بالعمل فيها، وإذاقتها من الكأس التى تذيقها للآخرين.
الإرهابى بطبيعته لا يرضى إلا عمن يتبع منهجه فى القتل وسفك الدماء وتدمير الإنسان والمكان، وربما يغلق عقله عن فهم أى شىء، إلا القدرة على التمييز بين من يدين بديدنه فى الحياة، وبين من يحاول استثماره واستغلاله، أو اللعب به كورقة فى الصراعات الدولية والإقليمية. الإرهابى فى مثل هذه الأحوال يدخل فى علاقة منافع متبادلة مع الشخصيات أو الجهات التى تسلك هذا المسلك، وما إن يستوفى غرضه منها حتى ينقلب عليها، ويبدأ فى النيل منها. هكذا فعل تنظيم القاعدة مع الكثير من الدول التى استثمرته كورقة فى صراعات دولية أو إقليمية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يفعله وسيبالغ فى فعله مستقبلاً تنظيم «داعش». ذلك ما لم يفهمه أردوغان، حين ساند الإرهاب ودعمه، فى حين كان يمطر الجميع بمحاضرات عن الديمقراطية، و«الكفن اللى مالوش جيوب»!
الحكمة تقول «أقرب أذن إلى هذا اللسان أذن هذا الإنسان»، والشاعر يقول «ألا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم». والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (الصف: 2-3). لو استوعب أردوغان الأمور على حقيقتها لفهم أنه السبب الأول فى «أردغانة السبت».