رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

تصوير:

عزالدين وهدان

03:55 ص | الجمعة 06 مارس 2020
كتب: عزالدين وهدان

سيارة ميكروباص قديمة، نال منها الزمن، اتخذت من رصيف أحد شوارع منطقة المقطم صاحبًا وارتكنت إليه، في مقدمتها حقيبة نسائية بجوار برطمان معلق في عجلة القيادة لوضع النقود المعدنية، ومن خلفها تجلس سيدة تضع خدها على يدها اليمنى، فيما تخرج اليسرى من نافذة السيارة، للوهلة الأولى تظنها حزينة على حالها، وما إن تقترب منها تجد أن هذا الصمت خلفه ذهول من فرط الفرحة وانفجار من السعادة، بعد أن حصلت تلك السيدة لتوها على سيارة ميكروباص هدية.


سيارة ميكروباص قديمة، نال منها الزمن، اتخذت من رصيف أحد شوارع منطقة المقطم صاحبًا وارتكنت إليه، في مقدمتها حقيبة نسائية بجوار برطمان معلق في عجلة القيادة لوضع النقود المعدنية، ومن خلفها تجلس سيدة تضع خدها على يدها اليمنى، فيما تخرج اليسرى من نافذة السيارة، للوهلة الأولى تظنها حزينة على حالها، وما إن تقترب منها تجد أن هذا الصمت خلفه ذهول من فرط الفرحة وانفجار من السعادة، بعد أن حصلت تلك السيدة لتوها على سيارة ميكروباص هدية.
لم تتخيل السائقة رانا محمد السيد، الشهيرة برانيا القاضي، أن يتحقق حلمها بين ليلة وضحاها، كثيرًا ما ظهرت في التليفزيون وعلى أغلفة الصحف، كونها حالة فريدة لسيدة تعمل سائقة ميكروباص، ولكن ذلك لم يمكنها من إيصال صوتها الذي نادت بأعلى ما فيه مطالبة بسيارة جديدة، تقيها مساوئ الطريق وتوفر لها حياة كريمة، وبالأمس نادى الحظ على "رانيا" وكأن أبواب السماء كانت مفتوحة تلك الليلة.

16 عاما من حياة رانيا أو "عفريتة الأسفلت" كما تُلقب، قضتها كسائقة ميكروباص، تبدأ يومها في الـ12 ظهرًا، بعد أن توصل أبناءها الثلاثة إلى المدارس والحضانة، وهو ما عبرت عنه السائقة وهي تلملم أطراف "إسدال الصلاة" الذي اشترته خصيصًا لمقابلة الضيوف والمهنيين، لتعتدل في جلستها وتوضح لـ"الوطن": "بشتغل مع والدتي هي وردية وأنا وردية، بجهز الغدا وأروح أستلم الميكروباص من أمي، وأعمل 5 أدوار بيه وأروح لعيالي".

تروي صاحبة الـ34 عامًا، رحلة الشقاء التي عاشتها بعد أن انفصل والدها عن أمها وهي لم تتخطَ الـ40 يومًا، ما جعلها "تشيل الهم بدري"، على حد قولها، "أنا سواقة بريمو ومعايا رخصة تانية، بس الزمن مبيرحمش، والناس بتتريق على عربيتي عشان موديل 95، لما بتجيلي رحلة أو فرح ويشوفوا العربية بيقولولي عربيتك (كنبة)".

الدموع بدأت في مغازلة عيني السيدة المطلقة، وهي تروي اللحظة التي علمت فيها بهدية الرئيس لها، والتي ارتمت فيها على يد والدتها لتقبلها، اعترافًا منها بفضلها عليها، "لحد اللحظة دي مش مصدقة اللي حصل، أنا كنت عاملة زي المجنونة من الفرحة، وأول حاجة عملتها بوست إيد أمي وهي فضلت تعيط".

في اللحظة ذاتها التي تروي فيها الفتاة شعورها إثر المفاجأة، دخلت "أم رانيا" إلى المشهد بوجه باسم راضِ، فما كان من الابنة إلا أن تنزل من الميكروباص لتقبل يد والدتها وسط الشارع، لتجسد المشهد الذي كانت ترويه منذ بضع ثوانٍ، "أنا فرحانة عشان أمي اللي مقدرتش أعملها حجة أو عمرة.. الريس حققلي أمنيتي وعوضني عن أبويا اللي اتحرمت منه".

بوجه أتعبه شقاء الأيام، وصوت خشن اعتاد على التعامل مع الرجال، تروي أم رانيا صاحبة الـ65 عاما، مأساتها اليومية مع السيارة القديمة التي كثيرًا ما تعطل لتبدأ فقرة التعذيب المعتادة، "الناس بتشوفني عطلانة بالعربية ومبيرضوش يزقوني بيضحكوا عليا ويمشوا، ولما باجي أنزل من الميكروباص بنادي على حد ياخد بإيدي ينزلني عشان وسطي بيتقطم من القعدة".

جيران وزملاء رانيا في المهنة هنوها على طريقتهم الخاصة، مازحين: "مبروك يا رانيا هتغيري الكنبة"، لترد عليهم التحية "ابقوا تعالوا أخدكوا لفة"، وبعدها رمقت الميكروباص بنظرة شخص إلى حبيب سيفتقده، "أول حاجة هعملها هحط صورة السيسي في العربية الجديدة، عشان رجعلي ابتسامتي من تاني بعد ما راحت من الهم اللي شيلته بدري".