اليوم هو الأربعاء.. التاريخ 16مايو.. العام 2012.. الحدث: الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة.. المتحدث: «المشير محمد حسين طنطاوى».. التصريح: الانتخابات الرئاسية المقبلة نزيهة وسوف يشهد بها العالم.. عد إلى الخلف عدة سنوات حتى تصل إلى العام 2005.. التاريخ 2 يونيو.. اليوم الخميس.. الحدث: انتخابات الرئاسة.. المتحدث «حسنى مبارك».. التصريح: مصر ستشهد انتخابات حرة ونزيهة وانتخاباتها سوف تكون نموذجاً لدول الشرق الأوسط، يخلق من الشبه أربعين.. ليس فى دنيا البشر فقط، بل فى دنيا التصريحات والكلمات أيضاً، كل كلمة وليها «مرادف» -يعنى كلمة تشبهها فى المعنى- زى بطانة وحاشية، وكل صورة وليها «عفريتة» يعنى «نيجاتيف»، والمثل المصرى يقول اللى خلف ما ماتش، والشباب كتب على جدران الجامعة الأمريكية: اللى كلّف ما ماتش.
لكن ذلك لا يعنى أن تشابه الكلمات هنا يدل على شىء. زمان كان فيه لاعب فى الزمالك اسمه «رأفت مكى» جعل البعض يتساءل: هل رأفت مكى أخو «ساقية مكى» أم تشابه أسماء؟. المسألة كانت نكتة تعكس خفة الدم المصرية، فالمواطن «الحاذق» كان يعلم أن رأفت مكى حاجة وساقية مكى حاجة تانية بس القافية تحكم، وقد نبهنا آخر بيان صادر عن المجلس العسكرى -قبل الانتخابات مباشرة- إلى أن المجلس يقف على مسافة واحدة من كل «المترشحين»، وترك للمواطن أن يحدد هذه المسافة بحرية: خمسة أمتار، عشرة أمتار، ألف متر، كل واحد حر فى تحديد المسافة، ونصح البيان الجماعة اللى بيشككوا فى نزاهة الانتخابات بعدم إضاعة الوقت، فالوقت كالسيف، وسيف السلطة طويل، وأضيف: أن على هؤلاء ألا يستغلوا انشغال الشعب بحساب طول المسافة المتساوية التى يقف المجلس عندها ويروجوا مثل هذه «التخرصات» حول الخالة «نزاهة»!
ماذا يريد هؤلاء ليفهموا أن وعود المجلس سيف على رقبة الثورة والثوار؟ هل يحلف لهم على المصحف أم يكتب لهم تعهداً أم يفعل ماذا؟ إن العيب كل العيب يرتبط بالثقافة الشعبية التى لا تثق أبداً فى أن مسئولاً يمكن أن يفى بوعد و«يرعى» انتخابات نظيفة عفيفة شريفة لا تشوبها شائبة، من ذلك ما تقوله بعض الأمثلة الشعبية «غراب ضمن حداية.. الاتنين طايرين»، وهو يقال فى معرض أن يضمن شخص «نصاب» شخصاً آخر -أشد منه نصباً- فى فلوس، فيوصف الأول بأنه «غراب» والتانى بأنه «حداية»، وأن كليهما سوف يطير بـ «الفلوس»، بالذمة ده كلام؟! إن الكثير من الأمثال التى تغذى وتعشى المصريين لا بد من إعادة النظر فيها؛ لأنها لم تعد مناسبة للعصر، والأحداث المتتالية تشهد على كذب بعضها، منها مثل «الغراب والحداية» الذى حكيته، ومنها المثل الذى يقول «بيت النتاش عمره ميعلاش»، لأ بيعلى يا سيدى.