من ضمن أمهات المشكلات في مصر الرغبة في الثراء السريع أو النجاح السريع أو التعلم السريع أو الحب السريع أو الزواج السريع وكمل للآخر يا "أبو سِريع"، تلك الرغبات تخلق فرصًا رائعة لمحبي الظهور وعمل الفيديوهات والساعين لاكتساب الشهرة الإلكترونية عن طريق ما يسمى بفيديوهات "تعلم كذا في 5 ثوانِ"، تعلم الفرنسية أو الإيطالية أو تقطيع البطاطس أو أيًا كان في 5 ثوانِ وممكن، تبقى مدة الفيديو على اليوتيوب معدية 5 دقايق بس المهم يجر رجلك بالعنوان علشان تدخل وتتفرج حتى لو بيقول أي هرتلة انطلاقًا من مبدأ العنوان جذاب يا جدعان.
هو طبعًا استفاد بأنك زوّدت له نسبة المشاهدة مما يغري بالإعلانات التي توضع قبل تشغيل الفيديو ويبقى هو يا ناصح اللي حقق النجاح السريع والثراء الأسرع.
الكارثة حينما تجد أنّ الأمر تحوّل إلى كتب على غرار: كيف تصبح مهندسًا في خمس خطوات؟!، وكيف تحقق النجاح في خمس خطوات؟، وكيف تصبح مليونيرًا في خمس خطوات؟!، والأكثر كارثية أن تجد صدى واسعًا وسوقًا ومبيعات لتلك الكتيبات الواهية؟!.
تساءلت مرارًا عن تعلق الناس بفكرة "الخمس خطوات" و"الخمس ثوانِ"؛ هل تملّك منّا اليأس والإحباط لدرجة التصديق بوجود مصباح سحري أو جني يستطيع أن يحقق كل شيء نطلبه في خمس خطوات؟!.
لم يعد للإصرار والعمل والعزيمة مكانًا في عالم "الخمس خمسات" والطريف أنّ الناس ينخدعون في العنوان كل مرة بل ويكملون الفيديو أو الكتيب لعلهم يظفرون بالوصفة السحرية التي تجعلهم يمتلكون أو يحققون ما يرغبون.
وفي حقيقة الأمر لا مكان للوصفات السحرية إلا في عالم "ديزني"، أما عالم الواقع فيحتاج العمل والإبداع والمثابرة وتحمُّل الإحباطات المجتمعية والكلمات السلبية التي تنطلق حتى من أقرب الناس إلينا.
الشباب بحاجة إلى الثقة في ذاتهم، الثقة في قدراتهم، والأهم الثقة في مجتمع يعطيهم الفرصة كي ينجحوا ويعملوا ويحصدوا ثمرة هذا العمل، يحتاجون فرصًا خلاقة وليس مجرد وعود براقة.
الشباب بحاجة إلى احتواء ودعم من كافات القطاعات السياسية والاقتصادية، الشباب يحتاج إلى مشروعات قوميّة يلتف حولها ويشعر بأنّه جزء منها وفاعل بها وليس جزءًا هامشيًا يتحدثون عن تمكينه بوسائل الإعلام فحسب.
نحتاج إلى جرعات مكثّفة من الأمل والطاقة التي لن تتحقق إلا بفرص عمل حقيقية تُوفّر لشباب تُهدر طاقاتهم على "بوستات" مواقع التواصل الاجتماعي.
الأزمة لا تكمن في القائمين على أمر كتيبات وفيديوهات "الخمس خمسات" بل تكمن في شباب لا يجد ما يفعله سوى التشبث بأية آمال زائفة عبر هذه الفيديوهات التي تملأ فراغات حياتهم.
الطامة الكبرى تكمن في مجموعة من "الإيفنتات" أو الفعاليات التي تقيمها مؤسسات تحت "بير السلم" بدعوى إن المدرب الفلاني أو الشخص العلاني سوف يعطيك مفتاح النجاح الساحق في مقابل تذكرة ثمنها 100 جنيه أو أكثر كي تسمع وصفته البهية في اختراق أسوار التفوق الحديدية!.
تدفع مائة جنيه وتذهب لحضور تلك الفعاليات أو الندوات وتخرج منها كما دخلت وربما يكون الخروج مصحوبًا بلعنات مستمرة على منظمي تلك "الإيفنتات" الذين سلبوك مالك ولا عزاء للمغفلين.
الخلاصة في أننا ربما ظلمنا أنفسنا حينما لم نغرس في الشباب فكرة المبادرة وصناعة الفرصة وعدم انتظارها لأن الانتظار قد يطول ويدمّر الطاقات والعقول ويسبب التراخي وينشر التقاعس.
الجميع بحاجة إلى فرصة جادة حتى لا يتحول "الخمس خمسات" من ظاهرة حالية لأسلوب حياة.