فى تاريخ الشعوب أيام حاسمة، قد تقلب الأوضاع رأساً على عقب، يتغير فيها الواقع، وتعاد فيها صياغة الثوابت والمسلمات، وقد تفضى إلى انتصارات عظيمة، أو انكسارات كبرى، قد تؤدى إلى انهيار الأوطان، واشتعال الحروب الأهلية، وضياع الآمال، واغتيال الأحلام!
وفى مصر، أصبح الناس ينتظرون الأحداث، التى تزاحمهم يوميا بقلق كبير، فبعد نحو العام ونصف العام من انطلاقة الثورة المصرية فى الخامس والعشرين من يناير من العام الماضى، أصبح الإحساس بمشاعر القلق والخطر كبيرا، وبدا المواطنون وكأنهم فى انتظار حدث جسيم خلال الأيام القليلة المقبلة، وتحديدا العشرة أيام التى تفصلنا عن موعد الانتخابات الرئاسية فى جولتها الأخيرة، والمقرر لها 16و17 من الشهر الحالى!!
ومع اقتراب الفترة الزمنية، راحت الأحداث تتزاحم، ولغة التحريض تتصاعد، وتوظيف الحكم «الصادم» الذى برأ بعض رموز النظام، وكأننا على أعتاب «الانقلاب الكبير».
لقد انقلب بعض المرشحين الرئاسيين الذين لم يوفقوا على مواقفهم التى أعلنوها، فبعد أن أشادوا بزاهة الانتخابات وحياديتها، راحوا يشككون فى نتائجها ويؤكدون تزويرها، لمجرد علمهم أنهم لن يكونوا ضمن الذين كُتبت لهما الإعادة.
وبعد أن أشاد العديد منهم بمواقف القضاة وحيدة رجال الجيش والشرطة، أصبح الكل فى نظرهم متهمين، متواطئين، تآمروا على الثورة وعلى مرشحيها، ووضعوا البلاد أمام خيارين أحلاهما مر، فإما محمد مرسى الإخوانى».. وإما أحمد شفيق «الفلولى»!!
وانطلق عدد من الكتاب والإعلاميين، راحوا هم أيضاً يحرضون ويشككون، واستغلوا الحكم القضائى على طريقتهم، ودعوا الجماهير إلى النزول للشارع، للثأر بأيديهم، ودفع الثورة للأمام، دون اكتراث بأمن أو استقرار، تحولوا إلى أبواق معادية، تدعو إلى الفوضى، وتحرض على إحراق الوطن بمن فيه!
ووصل الحال بأحد «الدعاة» إلى أن يطلب مواجهة من ناصروا مرشح الفلول، مهما كان حجمهم، فدماء ما يقترب من ستة ملايين مواطن لا تساوى دماء «فرخة» فى نظره، بل إن دبلوماسيا سابقا ومرموقا، قال: «إن هؤلاء ليسوا سوى عملاء ومرتزقة للنظام القديم».
وأصبح الأقباط هدفاً لأنهم انحازوا «للفلول»، وبدأ البعض يحرض ضدهم فى الإعلام، ويحذر من عاقبة نزولهم إلى الانتخابات، لأن خياراتهم محددة، ونفس الأمر انطبق على «المنايفة» الذين منحوا أحمد شفيق أكثر من نصف مليون صوت فى الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية!
وزاد من الطين بلة الدعوات التحريضية التى دعت إلى مواجهة دولة «النظام السابق»، فأعلنت الحرب داخل البرلمان وخارجه ضد مؤسسات الدولة؛ القضاء والمخابرات والنيابة العامة والشرطة والمجلس العسكرى الحاكم والحكومة، وكأننا على أعتاب حرب أهلية لن تبقى ولن تذر!!
وجاءت فكرة المجلس الرئاسى، فى ذروة الدعوة إلى التظاهرات والمليونيات، والتى خرجت للاحتجاج على الحكم القضائى الأخير فى قضية «مبارك وأعوانه» وهى فكرة لا سند لها من قانون أو دستور، إلا أن منطق «القوة» السائد هذه الأيام، أصبح هو هذا العنوان!!
وأمام هذا المشهد، والجدل الدائر، والمليونيات التى تنذر وتحذر، ودخول «الإخوان» على الخط ودعواتهم لكوادرهم بالنزول، وتخلى حمدين وأبوالفتوح عن دبلوماسيتهما المعهودة، أصبح المشهد ينذر بخطر شديد، قد يؤدى إلى فتنة وحروب ومعارك قد تقضى إلى مزيد من الدماء والانهيارات، وحدوث «خلخلة» فى مؤسسات الدولة «الصلبة» تحديداً!
وإذا كان الفقيه القانونى د. أحمد كمال أبوالمجد، قد اختصر عبثية المشهد الراهن بالقول: إن المسافة بين مجلس الشعب والرئاسة وسجن طرة.. لا تزيد على ثلاثة أمتار، وبين عشية وضحاها قد تكون فى البرلمان أو الرئاسة، وفى صباحها قد تكون فى «طرة»، فإنه بذلك يعطى مؤشراً على أن خيارات الوطن لا تقل عبثية عن خيارات الأفراد!!
فى ظل هذه الأزمة العاتية، يقف المجلس العسكرى صامتاً، متفرجاً، وكأنه يريد أن ينأى بنفسه، ويسعى إلى الحفاظ على مؤسسة الجيش دون أن تلوث يدها بفعل يظل ساكناً فى الذاكرة، غير أن تطورات الأوضاع قد تؤدى إلى انهيار الوطن وحرق مؤسساته وإشعال الحرب الأهلية على أراضيه، فهل يظل الجيش يؤثر السلامة، ويترك البلاد فريسة للانهيار الكبير؟!
إنها حقاً الأيام العشرة الأخطر فى تاريخ مصر الحديث، فإما عبورا آمنا، وإما فوضى شاملة. المشهد حتى الآن ينبئ بتطورات خطيرة قد تعصف بالثورة والوطن على السواء، وساعتها سنبكى على مصر بدلاً من الدموع دماً، فهل نستوعب الدرس قبل فوات الأوان!!
إنه ليس سؤالاً موجها إلى النخبة أو إلى حكام الوطن فى هذه اللحظة التاريخية الصعبة، بل هو موجه بالأساس إلى هذا الشعب «المكلوم» الذى يتوجب أن يقول كلمته وإلا ضاع كل شىء بين عشية وضحاها!!