زارني حفيدي يوسف رشاد في مكتبتي بعد غياب نظرا لانشغاله في امتحانات بالمدرسة، وعندما أطل على المكتبة لاحظ أنني غيرت لون المكتبة فقال: "أحسن إنك خليت لونها أبيض، اللون الأولاني كان غامق وماكنتش بحبه".
يوسف من أصدقاء المكتبة، وكنت حريصا أن يبدي رأيه، لقد غيرت لونها إلى الأبيض احتفالا بيوم عالمي جديد للكتاب ولتوفير فرصة لكي أعيد توزيع الكتب في أرففها فيلتقي من لم يكن بالقرب من رفيقه من المؤلفين وتكون هناك فرصة للتعارف بين من لم يكونوا يعرفون بعضهم.
استمع يوسف وهز رأسه دليل الموافقة وسألني: ماذا ستعطيني اليوم من كتبك؟ قلت له سأعطيك كتاب " فكر وازدد ثراء" فهذا الكتاب يجمع بين تحفيز الإرادة وبين اكتساب المال، قال: سأحاول أن أفهم ما جاء به، فهذه الكتب بمكتبتك ليس من السهل التعامل معها، وسوف أعود لأبدي رأيي فيما قرأت.
مكتبتي هي عالمي الذي لا يزاحمني فيه أحد، أعيش الساعات التي أكون فيها بمنزلي مع كتبي وأصدقائي من المؤلفين الذين أسعدوني وأسعدوا الدنيا بما قدموه من فكر وفلسفة وسياسة وأدب واجتماع واقتصاد وفنون.
هؤلاء ضيوفي الأعزاء الذين لا يفارقونني لحظة، ولو غادرت المنزل أكون في لهفة للعودة لكي ألقاهم، أعرف كل منهم وسمات شخصياتهم وأتعامل معهم حسبما يكونون وحسبما أحب ولا خلاف بيننا فهم على قدر من الرقي أسعى لكي أكون على قدره، وهم يقدرون اختلاف الرأي ولا يتعصبون لآرائهم.
منذ أيام احتفل العالم باليوم العالمي للكتاب الذي حددته اليونسكو بيوم 23 أبريل من كل عام للاحتفال والذي صادف أن توفي فيه شكسبير وسرفانتس.
الاحتفال بيوم الكتاب يعني أنه لم يمت وأن العالم مازال يستقي منه زاد العلم والثقافة وأن الكتاب المطبوع سيبقى له مريدوه فهو ليس كالجريدة السيارة التي قد يستغنى عنها الناس خلال الفترة القادمة.
العالم ينظم المعارض للكتاب ويؤسس المكتبات وتؤكد دراسات أجرتها جامعات في دول كبيرة أن قراءة الكتاب مطبوعا تزيد من فهم الأطفال ، وفي مصر تدعم الدولة الكتاب من خلال أجهزة وزارة الثقافة وهو أمر محمود.
وفي ثقافتنا العربية أجمل بيتين للشعر عن الكتاب قالهما المتنبي وأحمد شوقي، قال المتنبي: أعز مكان في الدنى سرج سابح.. وخير جليس في الزمان كتاب، وقال شوقي: أنا من بدل بالكتب الصحابا.. لم أجد وافيا إلا الكتابا
لهما ولغيرهما من الكبار في الفكر والأدب كل الحق، فلا أفضل من الكتاب رفيقا.