تابعت بيان من أطلقوا على أنفسهم جبهة الضمير.. وقرأت أسماءهم وتعجبت من قدرتهم على المواجهة مع الجماهير مرة أخرى وهم ممن شاركوا فيما وصلنا له من خيبة تدمى القلوب، إما صمتاً أو فعلاً. أشيح بوجهى عنهم وأتذكر العبقرى حسين رياض فى فيلم «وا إسلاماه».. وهو يسير فى شوارع القاهرة القديمة متكئاً على عصاه يتلمس بها طريقه بعد أن ضاع بصره، محذراً من التتار وجيوشهم الهمجية التى لا تترك أخضر ولا يابساً إلا وأتت عليه كيأجوج ومأجوج. يحكى مخاوفه وهو يبحث عن جهاد ومحمود، أمله فى الحياة وباعثه للتشبث بها. وأجدنى مثله.. تبحث عيونى وحواسى عن محمود جديد ينقذنى وينقذ وطنى من خطر التتار. وأتخيلنى سلامة، فاقد البصر قوى البصيرة، ولذا دعونى أحذركم من تتار اليوم الذين لا يختلفون عن تتار الأمس، وإن كانوا أشد حنكة وبراعة ودهاءً وخبثاً وامتلاكاً لأدوات العلم فى كافة المناحى. وهى أمور كان يفتقدها تتار الماضى «الهمج»، الذين لم يمتلكوا العلم ولا الرؤية بل كانوا مقاتلين رُحلاً أشداء، وما زالوا يُعايرون فى التاريخ بأنهم من أغرقوا مكتبة بغداد فى نهر دجلة لا لشىء إلا لإحساسهم بالفجوة الحضارية الهائلة بينهم وبين المسلمين أصحاب الحضارة. وهكذا الحال فى تتر اليوم الذين قرروا منذ سنوات ضرورة تغيير ملامح تلك المنطقة التى تتوسط العالم وتمتلك ثروات يمكنها، إن أُحسن استخدامها، تغيير وجه العالم مرة أخرى. وهكذا كان شعار «الفوضى الخلاقة». كان لا بد من مواجهة منطقة الشرق الأوسط التى كانت تمتلك مفاتيح التفكيك بلا أى عناء. فنخبتها لا يجيدون إلا الكلام والسعى وقت الحاجة وراء المصالح الخاصة لكل منهم، وحكامها مربوطون فى سلاسل الفساد وملفات العلاقات الخاصة مع تتار العالم الجديد. أما رجال الدين فى منطقتنا فمنهم المُغيب فى غياهب الجهل يتحدث عن الإسلام وكأنه ظهر بالأمس، ومنهم من ارتضى مناصب الدولة وسعى لإرضاء الحاكم حتى لو اضطر لتغيير فتواه بين ليلة وضحاها بدعوى الضرورات تبيح المحظورات، ومنهم من ارتضى الأكل على كل الموائد وملأ جيوبه على حساب دماء الأبرياء وحياتهم. وزاد عليهم محترفو الدعوة الذين يتكسبون الملايين من الفضائيات والدعوات المجانية معتمدين فى أسلوبهم على «البادى لانجويدش». وهكذا صرنا «كومبارس» فى أيدى التتار ونحن ندعى البطولة الواهية والقدرة على تسيير الأحداث وفق هوانا وهوى المصايف وهوى مطروح وهوى عبدالحليم حافظ أيضاً، بينما السفينة تسير وفق هوى التتار الجدد ووفق رؤيتهم التى رسموها لنا.
يقولون إن التاريخ يعيد نفسه، وأؤمن أنا بأن حوادث التاريخ لا تتكرر ولكنها تتواءم حسب الظروف فنظن تكرارها. أبحث فى الوجوه الحالية عن قطز جديد يظهر فيجمع المصريين حوله ينادى فيهم فيلتفون مُلبين نداء رفعة الوطن. يقدم نفسه وروحه فداءً لفكرة آمن بها لا منصب سعى له. فلم يفتح الجاكت عن صدر محمى بقميص واقٍ من الرصاص. يمتلك الفطنة والرؤية والقدرة على صنع التغيير، وليس مشروعاً واهياً لنهضة لن تتحقق بالكلمات وإقصاء الآخرين. لا يصمت عن الحقوق ولا يتجاهل اغتصابها ولا يؤلف القوانين والدساتير حسب أهوائه وأهواء جماعته. ولا يؤمن بنضال من مكاتب مكيفة ولا خلف كاميرات القنوات المتلفزة، ولا يمل ولا يتعب من التذكير بحقوق الوطن والمواطن. تتداعى المشاهد أمام عينى وأنا أرى صمت الرئيس المفدى على تفتيش أمنه للمصلين وتهليل جماعته لتلك الخيبة القوية، وأتابع بيانات من سموا أنفسهم جبهة الضمير ومعظمهم إما من الصامتين على فُجر الجماعة وطغيانها واختطافها لمصر، أو من المشاركين فى جرمها، فعن أى ضمير يتحدثون؟ وأرى ضعف من سموا أنفسهم جبهة إنقاذ مصر وهم لها مغرقون، لا يعرف كل منهم سوى الوقوف أمام مرآة ذاته مختالاً بجمال طلعته البهية منتظراً أن تحمله الجماهير فوق الأكتاف لمقعد الرئاسة! وأتساءل: هل يتصنع البطل فى قلب الأزمة، أم أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم؟