قد يسأل البعض حول معنى أن تعود الإخوان مرة ثانية إلى موقع السلطة التنفيذية من خلال تولية خيرت الشاطر رئاسة الحكومة، رغم ما سبق أن ذكرته من أن الجماعة وجدت أنها فقدت الكثير من شعبيتها بسبب عجزها عن التعامل مع تركة المشكلات التى تراكمت عبر الأعوام الثلاثين الماضية. كى تحصل على إجابة عن هذا السؤال، عليك أن تأخذ فى الاعتبار أن الجماعة تفرق بين «الشاطر» و«البليد»، ولو أنك اقتربت من جماعة الإخوان -بعض الوقت- فسوف تفهم معنى لقب «الباشمهندس» الذى يتردد كثيراً على ألسنة أعضائها، فهذا اللقب لا ينعت به إلا «خيرت الشاطر»، وإذا ذكر أى إخوانى لقب «مهندس» فإن ذهن الإخوانى الذى يسمعه ينصرف مباشرة إلى «المهندس خيرت الشاطر»، ومن المستحيل أن ينصرف إلى غيره، حتى ولو كان «أستاذ هندسة»!
الأمر واضح يا سادة أشد الوضوح، لقد كانت الجماعة تنوى منذ البداية الدفع بـ«الشاطر» فى انتخابات الرئاسة ثقة منها فى مهاراته، وإيماناً منها بأنه الأقدر على تحقيق المعادلة الصعبة فى التمكين للإخوان من ناحية، والسيطرة على الموقف، بما يتمتع به من هيبة يفتقدها «مرسى»، من ناحية أخرى. فالـ«الشاطر» هو مهندس مشروع النهضة، ولا يختلف اثنان على أنه العقل المدبر للجماعة، الذى يرقد فى مخزون تفكيره تفاصيل مشروع التمكين الإخوانى. وعندما اختارته الجماعة ليكون مرشحها فى انتخابات الرئاسة التى فاز بها «مرسى»، كان هناك وعى لدى قياداتها بكل ما ذكرت، وقد اضطرت اضطراراً إلى الدفع بالدكتور «مرسى» مرشحاً عن حزب الحرية والعدالة، بعد أن تسربت إليها معلومات بوجود نية لدى اللجنة العليا للانتخابات لاستبعاد «الشاطر».
المشكلة أن البعض داخل الجماعة يتصور أن مشكلتهم مع الحكم بدأت فى اللحظة التى استبعد فيها «الشاطر» من انتخابات الرئاسة، ويتصورون أن الأمر كان سيبدو مختلفاً لو كان الجالس على كرسى الرئاسة حالياً هو «الباشمهندس». وبعيداً عن التفتيش فى النوايا، قد يكون -أكرر قد يكون- «الشاطر» نفسه شاعراً بقدر كبير من الغبن وهو يرى «مرسى» يعتلى كرسى الحكم ويتحرك فى مواكب الرئاسة، فى حين كانت الجماعة تعد التاج -فى الأصل- لتضعه فوق رأسه، و«الشاطر» يدرك أكثر من غيره أن العديد من المشكلات التى تعانيها الجماعة ترتبط بعدم قدرته على ملء عين المصريين، وعدم تمتعه بـ«الهيبة» التى يجب أن تتوافر فى رئيس دولة، وأن هذه القدرات لا تتوافر فى شخص داخل الجماعة كما تتوافر فيه شخصياً. وربما لم يعد هناك سبيل أمام الجماعة الآن لحل المشكلة التى غرقت فيها حتى أذنيها، سوى أن تلعب لعبة «المقايضة» حتى تتمكن من تصحيح أوضاعها المتردية، فتبيع «البليد» بـ«الشاطر».. وكله فى علمه!