عندما يستيقظ مواطن على ارتفاع فى الأسعار، يصل إلى نحو خمسين بالمائة من ثمن السلعة، بالتأكيد يشعر بالغضب، والنكد، وتزداد رقعة الإحباط فى حياته. السبب يعود إلى غياب الشفافية التى هى فى الأصل الصراحة والوضوح والعلانية، وتعد فى ذاتها ركنا أصيلا من أركان الحكم الديمقراطى الرشيد. أسوأ ما فى المشهد أن الحكومة الحالية تتعامل مع المواطن بالقطعة، تفاجئه بارتفاع الأسعار تدريجيا، ويعيش كما لو أنه يواجه شبحا لا يعرف له أبعاداً، يمكن أن يهبط عليه فى أى وقت. لماذا لا يصارح رئيس الحكومة المواطنين، ويتحدث عن إجراءات التقشف التى يود أن يطرحها دفعة واحدة، موضحاً الأسباب، والنتائج التى سوف تعود على الاقتصاد، والمواطن نفسه؟ الشفافية فى الاقتصاد فرض عين على رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل بدلا من الحديث عن الجوانب الصحية المحيطة بالرضاعة.
الشفافية المفتقدة فى الاقتصاد الذى يصور على أنه متداعٍ وعلى وشك الانهيار حينا، وحينا آخر يقدم على أنه فى وضع جيد رغم العثرات على طريقة «مصر لن تركع أبدا»، نجدها فى كل المجالات، ما جعل الشائعات هى أساس إدارة العمل العام، ولا سيما إذا كانت مطعمة بأكاذيب جيدة الطهى، ويظل الباحث والإعلامى -ولا أقول المواطن- يبحث عن حقائق أو معلومات فلا يجد.
الأمثلة على ذلك كثيرة، ولكنى أكتفى بواحد منها: ظهر منذ أيام خبر فى الصحف أن حكومة هشام قنديل وافقت على سفر المصريات للعمل خادمات فى السعودية، وهو بالمناسبة موضوع أخذ شوطا من الجدل والمعارك الصحفية منذ سنوات فى عهد مبارك، وانتهى إلى إغلاق الأمر، عندما يتجدد الحديث فى هذا الموضوع فى ظل حكومة تعبر عن رئيس من الإخوان المسلمين تصبح المسألة ذات حساسية خاصة. مسئولو وزارة القوى العاملة نفوا تماما هذا الأمر، وذكروا أن هناك حظرا على سفر المصريات للعمل خادمات فى السعودية، فى حين أن الأخبار تتوالى تؤكد، وهناك من الكتاب من خصص مقاله للتنديد بموقف حكومة قنديل. السؤال ما صحة المعلومات فى هذا الشأن؟ هل الحظر على عمل المصريات خادمات فى الخليج لا يزال ساريا أو أن فى الأمر جديداً؟ الشفافية غير قائمة، وتكاد تكون متآكلة.
لا يمكن أن يدار نظام ديمقراطى، أو قائم على الآليات الديمقراطية، دون أن تكون هناك شفافية ووضوح فى جوانب العمل العام، فى الاقتصاد والسياسة. هذه ليست مسألة اختيارية، لا يصح أن يتحول المجال العام إلى مرتع لشائعات تُطلق فى إطار الصراع بين المعارضة والحكم، ولا يصح أن تُدار السياسة ببالونات الاختبار التى يطلقها هذا الفصيل أو ذاك لجس النبض، وتهيئة الأجواء. للأسف مصر يخف وزنها كثيرا على يد أبنائها قبل أعدائها ومنافسيها، والسبب يعود إلى غياب رجال الدولة، بالمعنى السياسى فى الحكم أو المعارضة.