الهجوم على القضاة من حين لآخر تحت مزاعم مختلفة؛ من بينها تأخر صدور الأحكام، وتحديدا الأحكام الخاصة بالعمليات الإرهابية التي تعرضت لها مصر على يد أعضاء تنظيم الإخوان الإرهابي وأشقائه من الجماعات الإسلامية الإجرامية الأخرى، ما هو إلا حلقة من حلقات محاولات الإساءة لثاني أهم مؤسسة في الدولة بعد القوات المسلحة، والغرض منه بالطبع هو الانتقاص من هذه المؤسسة العريقة التي وقفت وتقف في صف الشعب المصري ضد محاولات انهيار قيمه الرائدة والحفاظ على مكتسباته.
فما بين الهجوم على القضاء من جانب الجماعات الإجرامية ووصفه بأنه غير مستقل إلى الهجوم عليه من جانب من لا يعي خطورة الإساءة إليه، عن جهل وعدم إدراك لحقيقة أن السلطة القضائية لا علاقة لها بالتشريع الذي يحدد لها مسار الأحكام وبطء إجراءات التقاضي التي ينسبها هؤلاء إلى القضاة زورا وبهتانا.
القضاة المصريون لا مثيل لهم في المنطقة العربية من حيث النزاهة والكفاءة والتمثيل المشرف لمؤسستهم العريقة، وهم تاج على رأس الدولة المصرية من قديم الأزل، ومن غير اللائق توجيه سهام النقد إليهم بغرض الانتقاص منهم والتعدي عليهم، وتاريخهم النضالي لانتزاع استقلالهم شامة في جبين كل مصري.
يقول البعض إن القضاء خلف تأخر صدور الأحكام ضد الجماعات الإرهابية، وهي فرية عظيمة، لأن تأخر صدور الأحكام يعود إلى التشريعات التي يحتكم إليها القضاء المصري منذ ثلاثينيات القرن الماضي، ولا شأن لهم بهذه القوانين.. وإذا كان لا بد من توجيه لوم فليكن ضد "مجلس النواب" الذي يجب عليه تغيير هذه التشريعات البالية، وليس القضاة.
وقد يقول من في قلبه مرض إن القضاة بهم من تورط في جرائم جنائية وفساد ورشى، وهو أمر لا يعيب المرفق الحيوي، بل على العكس، لأن المؤسسة القضائية أحرص من غيرها على تطهير نفسها بنفسها، وهي التي تكشف عن وقائع تورط أبنائها في مثل هذه القضايا، وليس غيرها.
ولعله معلوم من القانون بالضرورة أنه لا يجوز القبض على من يتمتع بالسلطة القضائية إلا بعد موافقة المجلس الأعلى للقضاء، ما يعني أن المؤسسة القضائية هي التي تقوم بذلك الكشف في الوقت الذي ترفض فئات أخري الكشف عن جرائم أعضائها وتتستر عليهم، وهو الأمر الذي يجعلنا نقف احتراما وتبجيلا لهذه المؤسسة التي لا تتوانى عن الكشف على أي عنصر خان ضميره ومؤسسته العظيمة بالتورط في جرائم لا تليق بمن يرتدي ثوب القضاة الناصع البياض.
ومن ثم، فلا يستحق القضاة كل هذا الهجوم وإساءة الأدب بحقهم، لاسيما وأنهم يدفعون ثمنا غاليا جدا، بين كل فترة وأخرى، من أجل الحفاظ على استقلالهم الذي هو في حقيقته استقلال للمواطن الذي يلوذ بالعدالة من كل ظالم أو معتد أثيم.
*مناسبة هذا المقال هو الهجوم الذي تتعرض له مؤسسة القضاء دفاعا عنها في وجه كل من تسول له نفسه المريضة الهجوم على قضاة مصر الذين نلوذ بهم وبعدالتهم وشرفهم الذي هو من شرف مصر.