لا يمكن لمتابع إلا أن يذكر بكل تقدير موقف شيخ الأزهر حين قرر عدم تقاضى أى مرتبات من المشيخة، كما سبق له أن تبرع بجائزة الشيخ زايد، فضلاً عن أنه من نسل أسرة صوفية معروفة بالكرم، وفى ديوان «فيض الوهاب» يعبر أستاذنا الشاعر الشيخ محمد عبدالقدوس الخلوتى عن هذا المعنى بقوله:
فى قرنة سكنوا وساحة شيخنا
فيها الهدى والرى للظمآن
أولاده فى عزة وكرامة
فى منصب عالٍ مدى الأزمان
صحيح أن الزهد فى المال لا يعنى الزهد فى المنصب، وأن الكرم لا يعنى حُسن الإدارة، لكن يظل هذا تاريخاً ناصعاً لأسرة الطيب الحسائى، ثم جاء مَن يضحى بتاريخ الشيخ من أجل نفسه، ومن خلال حفنة دولارات، وهذه هى القصة التى يجب على الرئاسة أن تتدخل لتضع حداً لهذه المهزلة.
كان لافتاً للنظر غياب فضيلة شيخ الأزهر عن جنازة ضحايا الكنيسة البطرسية؛ بسبب حضوره قمة «رئيسات البرلمانات» فى الإمارات، وحضور الاحتفال بالمولد النبوى، الشيخ قال إنه سمع الخبر قبل وصوله لمطار القاهرة، فلم يتصل بهيئة كبار العلماء، أو بأصدقائه السياسيين أمثال: الدكتور مصطفى الفقى؛ للمشورة بين إكمال السفر أو قطعه، وبين تسجيل موقف تاريخى يحفظه العالم كله للأزهر وشيخه، وبين إرضاء النفوس المريضة التى لهثت وراء حفنة المكآفات المالية التى قررتها الإمارات للوفد المرافق، واكتفى الشيخ برأى مستشاره القانونى الشاب، الذى رأى أن صدور بيان إدانة للإرهاب وتعزية لأسر المجزرة يعد كافياً!!
وكما تم إبعاد هيئة كبار العلماء عن مرافقة الشيخ فى رحلته، فقد تم إبعادهم عن المشورة فى موقف مهم كهذا، بل إن جماعة كبار العلماء لا تعلم أصلاً بسفر الشيخ، وأصبحت المشيخة فى موقف محرج، وغضبت الرئاسة، فردت بتجاهل دعوة مسئولى المشيخة لحضور الجنازة، ما كرّس للعزلة بين الرئاسة والمشيخة.
كان المنظر غريباً على مواقف الأزهر التاريخية المشرقة، فمصر كلها تحوّلت لسرادق عزاء، قيادة وشعباً، مسلمين ومسيحيين، رجالاً ونساء، وأعلنت الدولة رسمياً الحداد ثلاثة أيام، وبينما كان الأزهر (علماء ومنتمون) فى حداد كامل، كان الأزهر (الرسمى) هناااااااك فى مؤتمر «رئيسات البرلمانات»، فى موقف تأبى مروءة أشد أعداء الشيخ وضعه فيه فضلاً عن أقرب الناس إليه، وحاولوا معالجة الموقف بالعزاء المتأخر، (ولا عزاء بعد ثلاث).
أيضاً كان الموقف فى الإمارات محرجاً للمشيخة، فقد غاب كبار رجال الدولة بالإمارات عن الاحتفال بالمولد، باستثناء د. محمد الكعبى، رئيس هيئة الأوقاف، وفى موقف مهين للعمامة جلس الشاب محمد عبدالسلام شارد الذهن ببدلته الأنيقة فى الصف الأول بجوار شيخ الأزهر -كما جاء فى جريدة البيان الإماراتية- بينما جلس المشايخ فى الوراء.
المستشار القانونى الشاب يتقدم على العمامة الأزهرية فى الاحتفال، ويرسل كتائبه الإلكترونية لوصفه بـ(الأمين)، وهو فعلاً أمين، لكنه أمين على مصالحهم، وليس على مكانة الأزهر وشيخه، لكن لماذا كل ذلك.. هل «عبدالسلام» فى حاجة إلى مال؟ الحقيقة لا، هو لا يريد مالاً، إنما يريد جنوداً مطيعين، يشتريهم بالمال والسفريات من أجل مساندته فى التحكم فى المشيخة، تحت شعار: «الدفاع عن الأزهر ضد من يريدون هدمه»، والحقيقة هؤلاء لا يدافعون عن الأزهر، ولو كانوا يدافعون عن الأزهر لنصحوا الإمام بالعودة فور سماعه خبر مجزرة الكنيسة البطرسية، والوقوف بجانب الدولة فى موقف كانت الدولة فى أشد الاحتياج إلى شيخ الأزهر.