زمان وبعد قيام ثورة يوليو قامت السلطة الجديدة بوضع «رجل عسكرى» داخل كل مؤسسة من مؤسسات الدولة، ليتولى إملاء القرارات عليها، أو توجيه قراراتها بالشكل الذى يُرضى السلطة، باختصار كان الهدف من هذا الإجراء «عسكرة» كل مؤسسات الدولة. كذلك ظل الوضع قائماً، طوال الفترة التى أعقبت عام 1952، حتى أواخر الستينات، عندما مُنيت مصر بهزيمة مرعبة فى الخامس من يونيو 1967. ومنذ ذلك الحين سقطت فكرة «العسكرة»، بعد أن أثبتت فشلها فى صميم تخصُّصها: إدارة الحروب والصراعات العسكرية!
وبعد ثورة 25 يناير 2011، ابتلى الله المصريين بصعود الإخوان إلى سلطة الحكم، ورغم أنهم كانوا يقدّمون أنفسهم كأعداء للحكم العسكرى، ولثوار يوليو على وجه الخصوص، إلا أنهم سلكوا مسلك «العسكر» فى السيطرة على البلاد، فبدأنا رحلة الأخونة، وأصبح على رأس العديد من المؤسسات الحيوية «رأس» من الإخوان، يتولى إملاء القرارات عليها، وتوجيه عملية صناعة القرار بها، تماماً مثلما كان يفعل «العسكر». وليس أدل على ذلك من وجود المهندس «خيرت الشاطر» -حالياً- على رأس وزارة الداخلية، كما كشفت جريدة «المصرى اليوم»، بالإضافة إلى المعلومات التى يتداولها البعض عن وجود الدكتور «محمد البلتاجى» على رأس واحدة من المؤسسات الأخرى الحساسة.
إذن «الإخوان» تعيد فى «المتعاد» وتجرّب فى «المتجرب». وهناك مثل سورى يقول «اللى يجرّب فى المتجرب عقله مخرّب». وجوهر الخراب العقلى فى هذه الحالة يتعلق بالعمى عن قراءة تحوّلات الواقع، واختلافات الزمن، حين يجرّب البعض «الوصفات القديمة». وإذا كان الأمر قد تطلّب مرور عدة سنوات حتى يدرك «العسكر» فشل فكرة ارتكاز حكمهم على «العسكرة»، فإن الأمر لم يتطلب أكثر من بضعة أشهر حتى اكتشف المصريون جميعاً أن سر الخراب الذى يكاد يحيق بمصر يرتبط بإصرار الجماعة على «الأخونة».
لن تدرك «الإخوان» اللعنة التى أصابتها حينما ركبت الحكم فى مصر، إلا عندما يصحو أعضاؤها يوماً من النوم فيجدون أن الجماعة قد اختفت من الوجود، لحظتها فقط سيدركون سقوط فكرة «الأخونة»، كما سقطت من قبل فكرة العسكرة، وإذا كان العسكر قد دفعوا ثمن سقوط فكرتهم بالخروج من دائرة السلطة، فسوف يدفع الإخوان ثمن طمعهم واعتمادهم على الألعاب القديمة، مثلما يفعل الحاوى المفلس، لن يكون الثمن هو مجرد ضياع السلطة من أيديهم، بل انتهاء الجماعة إلى الأبد. أنا أفهم أن «الشاطر» واثق فى حُسن تفكيره ودقة تدبيره، وهو يضع نفسه على «رأس» الداخلية، ويضع باقى إخوانه على رؤوس المؤسسات الأخرى، لكنه سوف يقع، كما وقع من هو «أشطر» منه، وإذا لم تكن هناك مشكلة فى «وقعة الخايب»، فإن الأمر يختلف عندما يقع «الشاطر»، لأن «وقعة الشاطر بفورة»!