تدفع مصر بين الحين والآخر ثمناً باهظاً من أمنها القومى والاجتماعى جراء عمليات عودة المصريين المنخرطين فى الإرهاب من كوادر وأعضاء الجماعات الإسلامية، عقب انهيار الدول التى عاشت تجربة احتضان هذه الجماعات والمشاركة معها أو ضدها فى حروب داخلية انتهت بخراب هذه الدول قبل هدمها.
فقد بدأت معاناة الدولة والمجتمع المصرى من ظاهرة هؤلاء العائدين قبل نحو 25 عاماً، عندما بدأت أول عودة لهم من حروب أفغانستان، عندما سمحت السلطات لجماعتى الجهاد والجماعة الإسلامية وأعداد واسعة من قيادات وكوادر تنظيم الإخوان بالسفر والانضمام لصفوف ما اصطلح على تسميتهم آنذاك بـ«المجاهدين» لمناهضة الاتحاد السوفيتى، ثم ما لبثوا أن عادوا فيما بعد إلى البلاد لينخرطوا فى تنظيمات قتالية ناهضوا خلالها الدولة، وطبقوا كل مهارات الاغتيال والتصفية التى تدربوا عليها فى شوارع وفيافى كابول، وجلال آباد، وقندهار، ليجد المجتمع المصرى نفسه أمام مجموعات من القتلة، أرباب تديّن دموى زائف لا يرقب فى أحد إلّاً ولا ذمة.
فى غمار معاناة حرب «العائدين من أفغانستان» من طلائع «الفتح» و«الجماعة الإسلامية» ضد الدولة أوائل التسعينات، ظهرت بقيتهم الباقية من «العائدين من حرب البوسنة والهرسك»، لينضموا مع أشقائهم فى معارك تصفية المسئولين والرموز وتفجير البنوك وقتل الأقباط واستحلال أموالهم... حتى انتهت نسبياً هذه الموجة الإرهابية بمبادرة وقف العنف ثم المراجعات الفقهية الشهيرة عام 2002.
لم تكد مصر تلتقط أنفاسها حتى شهدت السلطات الأمنية ظاهرة «العائدين من العراق» ممن انخرطوا فى العمليات العسكرية مع تنظيمات القاعدة و«أبومصعب الزرقاوى»، الذين شكلوا من أنفسهم خلايا عنقودية ليقوموا بتفجيرات «شرم الشيخ، والأزهر، وطابا، والحسين» قبل أن تطوقهم وزارة الداخلية آنذلك وتزج بهم فى السجون. كما شهدت هذه الفترة ظاهرة «العائدين من اليمن» من أعضاء تنظيم القاعدة المصريين الذين فروا إليها من السودان وقتما كانت السلطات السودانية تؤوى زعماء القاعدة أسامة بن لادن والظواهرى وآلافاً من الجهاديين، وكان أشهر من تسلمتهم مصر آنذاك هو الدكتور سيد إمام، مفتى تنظيم القاعدة، قبل أن يقود المراجعات الفقهية لمجموعات الجهاد من داخل السجون عام 2008.
قامت ثورة يناير ودخلت المنطقة العربية حزام الإرهاب وصارت الجماعات الإسلامية عاملاً رئيسياً فى هدم وتردى جميع الدول التى قامت بها ثورات الربيع العربى، فانهارت ليبيا وصارت بلداً فاشلاً ضم الآلاف من المصريين الإرهابيين الذين شهدت السنوات القليلة عودة الكثير منهم الذين انخرطوا فى مئات العمليات الإرهابية مع تنظيم الإخوان عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسى، لنعرف ظاهرة «العائدين من ليبيا».
نيابة أمن الدولة تعج بقصص واعترافات جميع هؤلاء العائدين الذين عادوا لسيرتهم الأولى ممن كانوا فى أفغانستان، ثم ألبانيا، ثم العراق، ثم ليبيا.
الآن يشهد الواقع الظاهرة الأكثر تأثيراً عليه وهى «العائدون من سوريا»، بعد السيطرة النسبية للجيش السورى والقرب من إنهاء هذه الجماعات الإسلامية الدموية، حيث صرح مسئول سورى رفيع المستوى بأن عدد المسلحين العرب والأجانب فى سوريا بلغ 330 ألف إرهابى، بما يعنى أن مصر سيكون لها نصيب الأسد من هؤلاء القتلة الذين ساعدتهم الظروف السياسية فى مصر عقب ثورة يناير وحكم تنظيم الإخوان على الذهاب إلى سوريا والانخراط فى صفوف الجماعات الإرهابية، ولا يجب أن ننسى أن أحد أهم قادة تنظيم القاعدة (جبهة النصر) هو أحمد سلامة مبروك القيادى الجهادى المصرى الذى ظهر على يمين «الجولانى» قبل شهرين فى فيديو مصور، وهو بالمناسبة أحد أبرز العائدين من أفغانستان!
ما الذى ستفعله مصر تجاه هذه الظاهرة.. وهل هناك خطة للتعامل مع هؤلاء الإرهابيين العائدين، لا سيما أن سياسات الأنظمة السياسية التى تعاقبت على الإدارة كانت السبب الرئيسى فى هذه الظاهرة عندما كانت تسمح لهم بالذهاب إلى مناطق الصراع المسلح ليدفع ثمنها المجتمع قبل السلطة؟