لا يملك رئيس الجمهورية أن يبيع مكتب إرشاد «الإخوان المسلمين» بالمقطم، ليس لأنه ترك الجماعة، بل لأنه «تنظيمياً» يأتى فى مرتبة أدنى من المرشد.
لكن الغريب أن رئيس الجمهورية قد شرع بالفعل فى بيع مصر، تحت مسمى «تنمية إقليم قناة السويس»، والذى سيدار بواسطة هيئة تتبع الرئيس وحده، هو من يحدد نظامها الأساسى بقرار منفرد، كما ينفرد بتحديد «الأبعاد والحدود والمناطق الخاصة والمشروعات الداخلة فى نطاق الهيئة».
«الهيئة العامة لتنمية إقليم قناة السويس» ستنسف فكرة الحكم المحلى، لأن رئيس مجلس إدارتها، (المعين من قبل الرئيس)، ستكون له جميع اختصاصات الوزراء ورؤساء الهيئات العامة (عدا وزراء الدفاع والداخلية والعدل وقناة السويس)، وهكذا نصبح أمام عملية انفصالية لدولة مستقلة اسمها «إقليم قناة السويس»، لا تخضع لسيادة القوانين المصرية ولا يوجد بمشروع القانون المنظم لها مواد بديلة تحفظ الأمن القومى للبلاد وتقينا شر الفساد!
وكالعادة يعصف رئيس الجمهورية بالدستور، والذى ينص على أن مصر الدولة المستقلة «موحدة لا تقبل التجزئة»، ثم يمزق خريطة الوطن مكتفياً بأنه سيصبح رئيساً للدولتين، لأنه جاء من جماعة لا تعترف بالسيادة الوطنية مقابل ما يرون أنه «الحدود الإسلامية المفتوحة»!
نحن أمام أكبر عملية «خيانة وطنية» تتم باسم الاستثمار والتنمية، أمام عملية تزوير جغرافية وتاريخية لمصر.. بل نحن أمام تقسيم للبلاد مثل الذبح على الطريقة الشرعية.. لقد كبر الرئيس وأنصاره وفتحوا مزاد بيع مصر!.
الإخوان، الذين يرمون تهم الفساد يميناً ويساراً، يؤسسون هيئة لتنمية السويس لا تخضع لأى رقابة من أجهزة الدولة أو لرقابة السلطتين التشريعية والقضائية!
الإخوان الذين يتغنون بـ«الصندوق» يشكلون هيئة لحكم إقليم مصرى معينة بالكامل من الرئيس.. ما هذا التبجح فى استباحة الوطن وسرقة الأراضى بالجملة؟.
ولأن الجماعة تنظيم دولى بالأساس، فلابد أن تكون لهيئتهم المشبوهة فروع بالخارج، ربما يوظفونها فى غسيل أموال الجماعة.. وتصبح أموالاً مشروعة، وحركتها سهلة سواء لتمويل الحركات الجهادية «أى الإرهابية» أو لتهريب المكاسب الخيالية المتوقعة.. إنها جريمة متكاملة الأركان.
جريمة تتلخص فى استقطاع إقليم قناة السويس ومنحه لرئيس الجمهورية وحده، ليضم إليه ما يشاء من أراضٍ أخرى، أو يؤجره من الباطن أو حتى يبيعه لأصدقائه القطريين!!.
إن كانت هذه هى الديمقراطية، فلتسقط الصناديق التى جاءت بالخونة للحكم، وملّكتهم أمر البلاد والعباد.
لقد حنث الرئيس «محمد مرسى» بقسمه على احترام القانون والدستور، وها هو الآن يحنث بقسمه على الحفاظ على «الوطن وسلامة أراضيه».. ثم يأتى لنا بهيئة معينة لتقسم على شىء لا نعلمه فى إقليم سيصبح خارج نطاق القانون والدستور!!.
فهل يُقتطع جزء من الوطن، ونكتفى بأن الجماعة سيصومون تكفيراً عن حنث اليمين.. أم نبتهل إلى الله أن تستقل الجماعة بالإقليم وتترك حكم مصر لشعبها؟
الآن عرفت لماذا تتحدث القيادات الإخوانية عن رئيسهم وكأنه «نبى»، إنه يفعل المعجزات، يعيد الاحتلال لمصر تحت عباءة التنمية، ويجعل إقليم السويس «عزبة خاصة»!.
لكن فات الرئيس ورجاله أن الشعب المصرى مهما «جاع» يردد مثلاً شعبياً: «تجوع الحرة.. ولا تأكل بثدييها».. ومصر ما زالت «حرة»!!.