سعدت بدعوة المتحدث الرسمى للقوات المسلحة لحضور تفتيش الحرب الذى قام به الفريق عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع، بمنطقة دهشور يوم 11 مايو الماضى. كنت أظن -وبعض الظن إثم- أن الرجل سيتحدث معنا فى أمور تشغل بال مصر كلها، حماس وما يقال عن الهجوم على السجون وأقسام الشرطة خلال ثورة يناير، المحادثات مع الإخوان، مقتل ستة عشر جندياً فى رفح فى رمضان الماضى، وهم يبتلعون لقيمات إفطارهم، الوضع الحالى ومشروع إقليم قناة السويس الذى يحمل نواة التقسيم لمصر.. والكثير من المواضيع التى ظننت أن الرجل سيحدثنا فيها، وإلا فلم جمعنا. كان أول ما لفت نظرنا جميعاً هو غياب أى شخصية تنتمى إلى الإخوان أو التيارات الدينية عن ذلك الجمع، وهو أمر غير مفهوم إذا كان الجيش يدعى الحيادية مع كل القوى، لكن هذا ما حدث، وبدأنا المرور مع الفريق السيسى وقيادات الجيش على الفرقة التاسعة المدرعة، وهو أهم ما حدث فى ذلك اليوم. فأنت لا يمكنك تجاهل ذلك الإحساس بالعزة وسط الدبابات والسيارات العسكرية الرابضة فى الصحراء، ولا أن تتجاهل نظرات الطيبة والرجولة المنبعثة من عيون خير أجناد الأرض، ضباطاً وعساكر. يكفينى هنا كلمات اللواء أحمد وصفى قائد الجيش الثانى، وأنا أسأله عن قدرتنا على المواجهة، قائلاً: «نحن لا نقاتل بسلاح، بل نقطع بأيدينا». يملؤك الفخر رغم مظاهر الفرح الطفولى التى اجتاحت الحضور فصعدوا للدبابات يلتقطون عليها لقطات للذكرى كما فعلوا بعد الثورة!! نعود لباحة العرض للننصت إلى حديث الفريق السيسى الذى أعلن بعد لحظات من بدء كلمته الرسمية تفضيله الحديث المرتجل، وليته لم يفعل. فيؤكد أنه يعتذر لكل عسكرى عن تصريحات سابقة عنه بأنه ممثل عاطفى! وهو ما أتعجب له ولماذا تعتذر يا سيدى؟ أليس من الأفضل محاسبة من تفوّه بتلك الكلمات؟ ويستمر فى تصريحاته بأنه لا يعلم من قتل جنودنا الستة عشرة فى رفح!! يا نهار ما لوش لون!!! كيف يا سيدى الفاضل وقد كنت أنت رئيس المخابرات العسكرية وقتها؟! ألا تعلم أن تلك تصريحات تدينك شخصياً؟ ويواصل أن الجيش خارج موضوع الصراع السياسى وأن على المصريين تحمُّل مسئولياتهم، لأن الوقوف فى طابور الانتخابات خمسة عشر ساعة أفضل من نزول الجيش!! انتهى الحديث ودخلنا بصحبة الفريق لخيمة صُفّت فيها الموائد لتناول وجبة مع الجنود والقادة. ليبدأ المطربون المدعوون فى الغناء!! وكالعادة ولأننى لست من النوع الذى اعتاد الصمت، فقد توجّهت للميكرفون، مؤكدة أنه وحتى لا يختزل المشهد فى صورة على الدبابة ووجبة غذاء وأغنية، فعلى الكل أن يتحمّل مسئوليته. على الشعب أن يتولى التغيير وعلى الجيش أن يحمى أمننا القومى، فيرفض قانون تقسيم مصر المعروف باسم قانون إقليم قناة السويس، ويضمن انتخابات نزيهة بلا تجاوز كما حدث فى الاستفتاء على الدستور المعيب. فغضب البعض، وأيد آخرون، ولم يقل «السيسى» سوى كلمة «اصبروا». وما هى إلا أيام حتى تم خطف ستة جنود من رجالنا فى سيناء بدعوى الإفراج عن السيد أحمد أبوشيته المتهم بقتل ضابطين وأربعة جنود فى العريش، بينما السبب الحقيقى هو ضبط شبكتين إرهابيتين مؤخراً فى سيناء بتهم التجسس والإرهاب. يتولى الوساطة لحل الأزمة «الظواهرى»، و«الحوينى»، و«مرجان سالم»، و«عماد عبدالغفور» من الرئاسة، الجميع ينفى صلته بالخاطفين، ولكنهم لا يعدون إلا بطلب الإفراج عن الشبكتين الإرهابيتين و«أبوشيته»!! ظن «السيسى» أن الصبر مفتاح الفرج، ولكنه ليس دائماً هكذا.. أحيانا يكون الصبر عنوان الضعف أو الاستكانة أو بيع القضية. ولذا لا أملك سيدى القائد، وأنا أعلم أن جيشنا هو الأخير فى المنطقة، سوى مطالبتك بتحمّلنا جميعا المسئولية التى سنحاسَب عنها يوماً.