شاعت فى أدبيات السياسة مسميات لحكومات من أنواع خاصة لها أهداف محددة؛ منها «حكومة إنقاذ» فى حالة تعرض الدولة إلى هجمات إرهابية أو مشكلات سياسية أو معضلات مجتمعية أو تحولات اقتصادية أو سياسية حادة يجب معها اتخاذ قرارات وإجراءات حاسمة لإنقاذ الوطن.
وقد يطلق فى أحيان أخرى تعبير «حكومة تسيير الأعمال» فى حال تشكيل حكومة مؤقتة بدون برنامج أساسى تكون مهمتها فقط مجرد تسيير الأعمال العاجلة والضرورية، بمعنى أن تكون حكومة «إطفاء حرائق» لحين تشكيل حكومة دائمة إما منتخبة أو معينة من رئيس الدولة يوافق عليها البرلمان ويمنحها الثقة بعد مناقشة برنامجها وإقرار خطة عملها، فضلاً عن اعتماد تشكيلها وأعضائها.
وفى أحيان أخرى يستخدم تعبير «حكومة حرب» إذا كانت الدولة تخوض غمار معارك حربية فعلياً وتتعرض لهجوم من قوى معادية، أو أن يكون التعبير مجازياً إن كانت الدولة تعيش مرحلة اقتصادية صعبة تتطلب شد الأحزمة واتباع سياسات تقشفية حاسمة، ولكننا فى مصر «المحروسة» يمكن أن نصف حكومتنا «الرشيدة» بكونها «حكومة.. مع وقف التنفيذ»، حيث أُعلن عن «التعديل الوزارى المرتقب» منذ أكثر من شهر، وقد تعددت المواعيد التى يحتمل أن ينتهى فيها رئيس مجلس الوزراء من إعداد التشكيل المعدل، واختلف الأقاويل حول عدد الوزراء الذين سوف يشملهم التعديل من رقم خمسة عشر وزيراً إلى نحو تسعة وزراء قد يصلون إلى أحد عشر وقد يزيدون أو يقلون بحسب معدل الاعتذارات عن عدم قبول المنصب الوزارى من كثير ممن جرت مقابلتهم من المرشحين للوزارة، ولم يتم التعديل الوزارى حتى اليوم الخامس من فبراير 2017!
وينطبق الوصف الجديد لحكومتنا الرشيدة كونها «حكومة.. مع وقف التنفيذ» بالنظر إلى طول المدة التى يعانى أثناءها الوزراء الحيرة وعدم الاستقرار، انتظاراً لتحديد من سيبقى منهم ومن سيخرج من التشكيل الوزارى، وفى مثل هذه الحالة لا نتوقع أن يكون أى وزير قادراً على أن يتخذ قرارات لها معنى فى شئون وزارته أو ينطلق سعياً لتحقيق أهداف خطة عملها وفق البرنامج الحكومى الذى أقره مجلس النواب «الموقر»، ووفق الخطة العامة للدولة، ووفق خطة التنمية المستدامة 30/20، ووفق توجيهات السيد الرئيس، أو أن يستمر فى التفكير والإبداع - إن كان ثمة تفكير أو إبداع من الأصل - لابتكار حلول عملية لمشكلات المواطنين وعلاج آثار الكوارث الاقتصادية والمجتمعية التى نتجت عن قرارات «الإصلاح الاقتصادى» التى نفذتها الحكومة «غير المعدلة» منذ أقرت تحرير سعر الصرف للعملات الأجنبية وأهمها الدولار الأمريكى انصياعاً لشروط صندوق النقد الدولى فى مقابل الحصول على قرض الاثنى عشر مليار دولار، الذى أفصح رئيس بعثة الصندوق إلى مصر فى مؤتمر صحفى منذ أسابيع قليلة أن استكماله للعامين الأخيرين لمدة القرض غير مضمون!!
وليس وزراء الحكومة «غير المعدلة» وحدهم فى هذه الحالة من عدم الاستقرار والحيرة، بل حتى رئيس مجلس الوزراء ذاته لا بد أن يكون فى نفس الحال، وقد تعالت أصوات فى مجلس النواب «الموقر» وفى بعض الأحزاب الممثلة فى ذلك المجلس «الموقر» تطالب ليس فقط بتعديل الحكومة؛ ولكن بتغييرها كلها وأنا مع ذلك الرأى!
ومما يؤكد أن حكومتنا «الرشيدة» هى مع «وقف التنفيذ» أنها تروِّج لاحتمالات أن يأتى التعديل الوزارى المرتقب مصاحباً لدمج وزارات وفك غيرها كانت مندمجة قبل التعديل. وتلك الأنباء التى وردت ضمن تصريحات لرئيس مجلس الوزراء إنما تنقل عدم الاستقرار والعزوف عن العمل من السادة الوزراء إلى جميع العاملين فى أجهزة تلك الوزارات المهددة بالدمج أو بالفك أو حتى الإلغاء، إذ كيف يستقيم العمل فى جهاز الدولة والعاملون غير مطمئنين لاستمرار الوزارة التى يعملون بها، أو بقاء وزيرهم أو رحيله!ّ!
ومن أهم القضايا التى يصعب على الوزارة غير المعدلة أن تحسمها انتظاراً لوصول الوزارة «المعدلة» قضية مصيرية تورط فيها رئيس مجلس الوزراء الحالى، وقد يصبح السابق، هى اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة السعودية وما انطوت عليه من تسليم جزيرتى صنافير وتيران إلى المملكة، والتى قضت محكمة القضاء الإدارى ببطلانها مؤكدة أن الجزيرتين مصريتان، ثم حكمت المحكمة الإدارية العليا يوم السادس عشر من يناير الماضى برفض طعن الحكومة «غير المعدلة» على حكم محكمة القضاء الإدارى الصادر يوم الحادى والعشرين من يونيو 2016، وكانت الحكومة «غير المعدلة» قد أرسلت تلك الاتفاقية إلى مجلس النواب «الموقر» يوم التاسع والعشرين من ديسمبر الماضى، دون انتظار للحكم فى الطعن الذى تقدمت به ذات الحكومة!
وثمة قضية لا تقل خطورة عن تنازل الحكومة «غير المعدلة» عن جزء من التراب الوطنى بالمخالفة الصريحة والواضحة لنص المادة 151 من الدستور، أنها لم تعرض اتفاقية القرض مع صندوق النقد الدولى قبل نفاذه على مجلس النواب «الموقر» تنفيذاً للمادة 127 من نفس الدستور التى تشترط موافقة مجلس النواب على مثل تلك الاتفاقية!!
ومن غير شك أن ما يعانيه المصريون من مشكلات اقتصادية وحياتية قد تزايد وتفاقم منذ خفض قيمة الجنيه يوم الثالث من نوفمبر 2016، حيث انخفضت دخولهم ومدخراتهم بما لا يقل عن 50% مما كانت عليه قبل التخفيض، وهو القرار الذى أفقر المصريين، حتى يصرح الرئيس السيسى فى مؤتمر الشباب يوم الثامن والعشرين من يناير الماضى بأننا «فقرا أوى»!
إن الحكومة «غير المعدلة» التى هى بسبيلها إلى «الانعدال» مسئولة عن موجة الغلاء الصارخ التى يعيشها المصريون منذ ذلك القرار الصادم الذى تم تسويقه على أنه يهدف إلى الإصلاح الاقتصادى الذى قيل إنه برنامج مصرى واتضح بعد ذلك أنه من تصميم خبراء صندوق النقد الدولى، واتضح أن الحكومة لم تدرس ولم تستعد لتداعيات ذلك البرنامج الذى صاحبه أيضاً تخفيض الدعم عن وقود السيارات والسولار مما أشعل أسعار وسائل النقل للمواطنين وتكاليف نقل البضائع، وكانت الحكومة «غير المعدلة» أكثر المتضررين من انفلات أسعار الدولار بعد تحرير سعر الصرف، الذى اعترف رئيس بعثة الصندوق فى مصر بأن «خبراء» قد فوجئوا بذلك الارتفاع الذى لم يتوقعوه، ومن ثم كان الانخفاض المريع فى قيمة الجنيه المصرى مفاجئاً لهم بالتالى، ولكن تبقى الحقيقة أن مصر والمصريين أصبحوا أكثر فقراً بعد تلك القرارات التى طال تأجيلها بحسب نص برنامج الحكومة إلى مجلس النواب «الموقر» !!!!!!
والآن يبقى السؤال الأهم، هل يمضى الوزراء الذين سيرحلون بغير مساءلة بغض النظر عما تسببوا فيه من مشكلات بسبب «فشلهم» وعدم كفاءتهم بنص تصريح رئيس مجلس الوزراء حين ذكر أن التعديل الوزارى يتم وفق تقييم أداء الوزراء، وهذا يعنى أن الراحلين هم غير الأكفاء!
وبقية السؤال، لما كان تقييم أداء المستبقين فى الوزارة «المعدلة» هو دليل كفاءتهم فكيف سمحوا لأنفسهم بالصمت على تلك القرارات الصادمة وغير الناجحة حتى الآن على الأقل، وكيف وافقوا على ما ارتكبه زملاؤهم الفاشلون؟ وأخيراً، أين المحاسبة والمساءلة عن سوء الأداء الوزارى، وهل يمضى الفاشلون بغير عقاب لهم ولمن اختارهم وزراء؟!