يقول الأستاذ عاكف فى مذكراته، التى تنشرها جريدة الحرية والعدالة، فى موضع دفاعه عن أن الأستاذ قطب لم يكفر المجتمع: «وبالنسبة لكتاب (معالم فى الطريق) الذى اتُّهم به الشهيد قطب بالتكفير، فقد قرأناه قبل أن يصدر وبعد تداوله، فعدلت بعض العبارات التى يمكن أن تحمل أكثر من وجه».
والحقيقة أن القول بأن قطب لم يكفر المسلمين وأن المشكلة فى فهوم القراء قول يجافى الواقع، ويمثل هتكاً للحقيقة، ويدل على أن قائله قرأ كتابات الرجل بطريقة متعجلة ونفسية متشنجة عصبية. وإليك أيها القارئ الكريم عبارات الأستاذ قطب بنصها؛ لتتأكد بنفسك أنها واضحة وصريحة وجلية فى تكفير المسلمين، وأدعوك للتدقيق فى العبارات التى يأتى بعدها علامات التعجب.
يقول فى «المعالم»: «إن المجتمع الجاهلى هو كل مجتمع غير المجتمع المسلم، لا يخلص عبوديته لله وحده، متمثلة هذه العبودية فى التصور الاعتقادى، والشعائر التعبدية، والقانونية، وبهذا التعريف يدخل فى إطار (المجتمع الجاهلى) جميع المجتمعات القائمة اليوم! تدخل فيه المجتمعات الشيوعية بإلحادها وبإنكار وجود الله أصلاً، وتدخل فيه المجتمعات الوثنية بتصورها القائم على تأليه غير الله، وتدخل فيه المجتمعات اليهودية والنصرانية بتصورها الاعتقادى المحرف الذى لا يفرد الله -سبحانه- بالألوهية، وأخيراً يدخل فيه المجتمعات التى تزعم لنفسها أنها (مسلمة)! وهذه المجتمعات (المسلمة) تدخل فى هذا الإطار مع البوذيين والملاحدة واليهود، لا لأنها تعتقد بألوهية أحد غير الله، أو تقدم الشعائر التعبدية لغير الله، ولكنها تدخل فى هذا الإطار لأنها لا تدين بالعبودية لله وحده فى نظام حياتها»!
فانظر كيف أن قطب سوّى بين المجوس واليهود والبوذيين، ثم يأتى عاكف ويقول إنه عدل عبارات قطب لئلا تحتمل أكثر من وجه وأن الناس فهمته خطأ!
وفى موضع آخر يذهب قطب إلى أن ما فعله اليهود والنصارى فاستحقوا وصف الله لهم بالشرك والكفر، فعله المسلمون اليوم؛ وبالتالى يستحقون وصفهم بالشرك والكفر، فيقول: «وصف الله اليهود والنصارى بالشرك والكفر لمجرد أن جعلوا للرهبان ما يجعله الذين يقولون عن أنفسهم اليوم إنهم (مسلمون)»!
وفى «العدالة الاجتماعية» يضع تصورا للحياة الإسلامية من بنات أفكاره ثم يقول: «والحياة الإسلامية على غير هذا النحو، قد توقفت منذ فترة طويلة، ووجود الإسلام ذاته قد توقف كذلك! ونحن نجهر بهذه الحقيقة الأخيرة على الرغم مما قد تحدثه من صدمة وذعر وخيبة أمل للكثيرين ممن لا يزالون يحبون أن يكونوا مسلمين! كما يجب إعادة النظر فى دعوى مئات الملايين من الناس الذين يقولون إنهم (مسلمون)»! أهناك عبارات تكفيرية أكثر صراحة من هذه، عندما يدعو لإعادة النظر فى دعوى الملايين الذين يدينون بالإسلام؟!
ثم يؤكد قطب تكفيره للمجتمع قائلا: «وحين نستعرض وجه الأرض لا نرى لهذا الدين (وجودا)، وإن هذا الوجود قد توقف منذ أن تخلت آخر مجموعة من المسلمين عن إفراد الله بالحاكمية! وينبغى أن نجهر بالحقيقة التى قد يشفق منها الكثيرون ممن يحبون أن يكونوا مسلمين! وممن يتحرجون أن يعلنوا أن وجود هذا الدين قد توقف»!
تلك بعض عبارات قطب التى يقول الأستاذ عاكف فى مذكراته إنه عدلها لئلا يفهم الناس أن فيها تكفيراً للمسلمين، ولأنها يمكن أن تحمل أكثر من وجه.. والسؤال هنا: إذا كانت كل هذه العبارات بعد التعديل فكيف كانت قبل التعديل؟ وإذا كانت هذه العبارات لا يفهم منها خروج المجتمع من الدين فكيف تكون العبارات التى يفهم منها خروج المجتمع من الدين؟ (يتبع)