دار مقالى الأسبوع الماضى «شباب غاضب فاقد للمعلومة» عن تساؤلات الاقتصاد التى حاصرنى بها مجموعة من الشباب الجامعى حول سعر الصرف وقناة السويس الجديدة وتوقيت حفرها ووضع مصر الاقتصادى فى الوقت الراهن. ثم كان مؤتمر الشباب الثالث بالإسماعيلية وجلسة أعتبرها من أهم الجلسات التوضيحية شهدها اليوم الأخير للمؤتمر وحملت عنوان «جلسة محاكاة الاقتصاد المصرى».
لفت نظرى شباب الجلسة الذين اختص كل منهم بعرض جزء أوضحوا فيه ما كنا عليه اقتصادياً منذ تأسيس الجمهورية عام 1952 وحتى يومنا هذا، وعرض طفرات النمو ومراحل التراجع التى شهدناها. وتوضيح أسباب التراجع واحتياجات التنمية المستدامة بمعناها الشامل والواسع، وكذلك عقل الدولة المؤسسى وذاكرتها وعلاقته بالبحث العلمى الذى يرتكن عليه أى نمو وتطور ليرتبط التعليم بسوق العمل بشكل واقعى.
وقارنت بين من اعتلوا المسرح أمام الرئيس والحكومة والشباب الحاضر ليشرحوا الحقيقة بالمعلومة والرقم والرسم البيانى للوصول إلى مصر التى نريد، وبين من التقانى من شباب جامعى قبل المؤتمر بأيام. الفارق يا سادة كان فى الفهم ووضوح الرؤية لدى الفريق الأول وغيابها لدى الفريق الثانى. كلاهما يحمل فى ذاته الرغبة فى التغيير، ولكن شتان ما بين تغيير يسعى له من يمتلك إرشادات الطريق، وتغيير يسعى له من غابت عنه الحقيقة الموثقة. فالأول قادر على التقييم الموضوعى وتحليل المعلومات لاختيار الطريق الصحيح وتجنب الخطأ. بينما الثانى غامت رؤيته وسيطر غضبه وانفعاله على حُكمه فعجز عن تحديد طريقه أو تجنب التيه فى أرض متعددة الاتجاهات. فدعوت أن يمتلك شبابى الرؤية والفهم والمعلومات ليكون سعيهم للتغيير للأمام لا للخلف، ورغبتهم فيه بنّاءه لا تحمل ملامح الهدم.
وتذكرت يوم أن خرجت لشارع القصر العينى فى العام 2012 أحاور قوات الجيش المتمركزة فيه عقب أحداث مجلس الوزراء وما شابها من اشتباكات، ثم ذهبت لأحاور الشباب الجالس على الضفة الأخرى من الطريق عند المجمع العلمى. يومها كانت القصة السارية فى وسائل الإعلام أن اندلاع الاشتباكات جاء بسبب وقوع كرة القدم فى ساحة مجلس الشعب واعتراض قوات التأمين لشاب كان يُدعى «عبودى»، وهى قصة لا تدخل عقل طفل ولكن صدّقها الجميع، لأكتشف، حينما حاورت قائد المنطقة المركزية اللواء مجدى أبوالمجد، أن القصة تتعلق بهيبة القوات ورفضه المساس بها حينما اعتراض «عبودى» ضابطاً من ضباط القوات المسلحة أثناء مروره فى الشارع وحاول الاشتباك معه، وهو ما دفع اللواء أبوالمجد لإحضار عبودى واحتجازه فى ساحة مجلس الشعب لعدم تكرار تلك الأفعال المقيتة -وهو أمر منطقى- ولكنه تسبّب فيما بعد فى اندلاع الاشتباكات حينما أشعل الشباب النار فى الخيم التى كانوا يقيمون بها فى الشارع وألقوا الحجارة على الجنود والضباط ومبنى مجلس الشعب، وانتهت الأحداث باحتراق المجمع العلمى بعد إلقاء أحدهم زجاجات المولوتوف عليه. وأذكر أننى تركت جانب الجيش وذهبت لجانب الشباب والتقيت قائدهم وكان يُدعى «حمادة» الذى فاجأنى بتكرار نفس القصة نافياً حكاية الكرة تلك. وحينما سألته هل كان هو من أحرق المجمع، أجابنى برد كان صاعقة: «وجدت بجانبى رجلاً يحمل زجاجات المولوتوف كان يلقى بها على المجمع وطلب منى إلقاءها معه لمواجهة الأمن ففعلت ولكننى لم أكن أعلم أن هذا هو المجمع العلمى!»، فسألته يومها حزينة: «تُرى كم مبنى كالمجمع العلمى يمكن أن تحرقوه فى ظل جهلكم بقيمته؟ وهل تتحمل مصر كل تلك الحرائق؟»، صمت يومها وتركنى وذهب دون إجابة.
ولذا كله يا سادة يبقى وعى شبابنا أمانة وتثقيفهم فرضاً وعقولهم ساحة صراع بين هوية ومواطنة وبين غرباء يسعون لتدميرها. فماذا نحن فاعلون؟