يعتبر تطوير التعليم الشرط الأساسى فى بناء الإنسان المصرى وتنمية قدراته العلمية والمعرفية ومهاراته العملية والإنتاجية، ومن ثم زيادة مساهماته فى تنمية الإنتاج فى جميع المجالات والمساعدة فى تحقيق نقلة نوعية حقيقية فى المجتمع المصرى! ولقد كان تطوير التعليم مطلباً رئيسياً للمصريين على مدار السنوات الماضية، إذ عقدت مؤتمرات وندوات ولقاءات، وتم إبرام اتفاقات وتفاهمات مع منظمات دولية بهدف الحصول على الخبرات العالمية، وتمت زيارات على أعلى المستويات لدول حققت نجاحات مشهودة فى تطوير نظم وتقنيات التعليم وحققت مراكز متقدمة فى المؤشرات العالمية، كما تم إعداد رؤى واستراتيجيات وخطط لتطوير التعليم، وتغيرت الوزارات المعنية بالتعليم ما بين فك وإدماج، وتبدل وزراء على حقيبة التعليم وكل يأتى بمنظور ويعلن عن أهداف ويعقد المؤتمرات ويقدم الابتكارات التى تنتهى كلها بمجرد خروجه من التشكيل الوزارى لتبدأ القصة من أولها مع قدوم الوزير الجديد! ولقد عقد مؤتمر بجامعة القاهرة بمشاركة مؤسسة أخبار اليوم يوم الثامن من مايو الحالى 2017، تحت عنوان «التعليم فى مصر نحو حلول إبداعية»، وجاء فى وسائل الإعلام أن «أعمال المؤتمر تضمنت عدة جلسات تم خلالها عرض آراء الوزراء وقيادات التعليم والخبراء فى التعليم قبل الجامعى والجامعى بمختلف مراحله وتخصصاته، وأن المؤتمر اتجه فى جلساته وحواراته نحو إيجاد الحلول العلمية والعملية القابلة للتطبيق على أرض الواقع المصرى بغية الوصول إلى الهدف الأمثل للتعليم فى المستقبل القريب، وأنه تجاوز مرحلة تشخيص العلل والمشكلات للتركيز على الحلول المبتكرة التى يمكن وضعها أمام صناع القرار التنفيذى لاتخاذ ما يلزم من إجراءات وبرامج وخطوات تنفيذية تتم متابعتها من خلال تشكيل أمانة عامة ودائمة للمؤتمر»، ونظراً لأهمية القضية، نعرض اليوم لما جاء عن تطوير التعليم فى «رؤية السيسى لمستقبل مصر» التى كان قد طرحها أيام حملته الرئاسية فى 2014 ثم اختفت ولم تلتفت إليها الحكومات التى شكلها الرئيس السيسى حتى الآن!
وفى مقال الأسبوع المقبل، سوف نعرض لمحور التعليم فى خطة 30/20 الذى تمت الإشارة إليه فى مؤتمر جامعة القاهرة، كذلك نقدم خلاصة وافية لتقرير مهم كان أحد الوزراء فى مصر قد طلبه من البنك الدولى عام 2008 لتقييم سياسات التعليم العالى فى مصر، ولم يلتفت إليه أحد رغم شموله ومهنية الخبراء العالميين الذين شاركوا فى إعداده!
وفى المقال الثالث، سوف نناقش التوصيات التى أُعلنت فى ختام مؤتمر جامعة القاهرة ونرى إن كانت متوافقة مع عنوانه «نحو حلول إبداعية» للتعليم فى مصر!
التعليم فى «رؤية السيسى لمستقبل مصر»
أكدت «رؤية السيسى» على «الاهتمام الجاد بالتنمية البشرية فى شتى المجالات وأهمها التعليم والبحث العلمى ومنظومة الصحة والثقافة والرياضة، حيث إن المصريين هم الثروة الحقيقية لمصر»، وبيَّنت: «إن مشكلة مصر.. هى مشكلة ثقافية فى جوهرها، لأن بناء العقل المصرى عبر التعليم والإعلام شابه قصور ثقافى فادح»، وكانت «رؤية السيسى» تهدف «إلى بناء الشخصية المصرية الجديدة، التى تستطيع أن تنهض بمصر محققة الحلم المصرى، وهو ما يستلزم منظومة تعليمية جديدة تواكب نظم التعليم المتقدمة»، والتزمت «رؤية السيسى» بالعمل على تنفيذ الاستحقاق الدستورى بإلزام الدولة لتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى على التعليم والبحث العلمى تتصاعد تدريجياً حتى تتفق مع المعدلات العالمية، كما التزمت بالربط بين الاحتياجات الفعلية لسوق العمل وبين مخرجات العملية التعليمية، وفتح الآفاق لاختلاف المناهج من محافظة إلى أخرى ليتوافق مع طبيعة ما تتطلبه سوق العمل فى كل محافظة، وإحداث طفرة فى المناهج العلمية وطرق تدريسها لأبنائنا، وذلك لتحقيق المعرفة التراكمية وتنمية مهارات الفكر التحليلى، وذلك للمساعدة فى حل المشاكل، وتطبيق نظام التعليم الرقمى من أجل إعداد الأجيال المقبلة للتفاعل مع أقرانهم بدول العالم المتقدم.
وكانت «رؤية السيسى» قد أكدت على رعاية المتفوقين والموهوبين دراسياً من خلال مجموعة مدارس متميزة تؤهلهم تأهيلاً يدفع بقدراتهم نحو تمثيل مشرف لمصر ولتحقيق الاستفادة القصوى من قدراتهم الخاصة، إلى جانب خطة متكاملة لتطوير الأبنية التعليمية ببناء العديد من المدارس الجديدة لخفض الكثافة بالفصول ورفع كفاءة التشغيل بصفة عامة بمدارس مصر، ثم نوَّهت «رؤية السيسى» إلى تنويع وتحديث منظومة التعليم الفنى، باعتبار ذلك هدفاً قومياً لتأهيل الشباب، وتحفيز هذا التوجه لخدمة متطلبات سوق العمل ومشاريع التنمية مع اعتبار تنمية روح الانتماء والوطنية وحسن الأخلاق والتعريف بالحقوق والواجبات قاسماً مشتركاً أعظم فى أى عملية تعليمية، وقد تضمنت «رؤية السيسى» الدعوة لإقامة مراكز متخصصة لتأهيل المدرسين وتدريبهم على أحدث النظم التعليمية التى تتوافق مع متطلبات التعليم فى القرن الحادى والعشرين والعمل على تحسين أوضاعهم، كذلك تبنت «رؤية السيسى» إصلاح المنظومة الجامعية والبحثية التى تصبو إلى تحقيق التأسيس المعرفى للإنسان المصرى بشكل يفتح آفاق التعليم والبحث العلمى، وربط تلك الجامعات ومراكز البحث العلمى بمراكز الصناعة، تلبية لمتطلبات سوق العمل، كما أكدت أن (التأسيس المعرفى) يجب تحقيقه على المستوى المحلى الذى توجد به الجامعات ومراكز البحوث على نحو يؤسس لتعليم وتدريب خريجين يلبون حاجة التنمية وسوق العمل، والذى هو فى أمس الحاجة لجهودهم وذلك بعد رسم خريطة جديدة لمصر تهدف لإعادة انتشار المصريين على كامل أرضهم، ومن ثم تؤكد الرؤية على وجوب أن يكون بكل محافظة جامعة على الأقل لخدمة أهداف التنمية بالمحافظة، وكذا تحفيز التوسع فى إنشاء الجامعات الأهلية غير الهادفة للربح، كما اهتمت الرؤية بتحسين أحوال أعضاء هيئة التدريس وإعلاء قيمة الابتكار وربط البحث العلمى بالصناعة، وتأسيس نظام واضح لحرية تداول المعلومات، وتحفيز الجامعات على تأسيس بنوك للأفكار من أساتذتها المتميزين، بالإضافة إلى رجال الصناعة وغيرهم لصياغة ومتابعة خطط التنمية بالمحافظات، كما دعت «رؤية السيسى» إلى إنشاء «وقف للتعليم» تخصص له «هيئة الأوقاف المصرية» وتشجيع وحث الاستثمارات لإنشاء مدارس تستأجرها الدولة بمقابل اقتصادى، وذلك جنباً إلى جنب مع توجيه استثمارات الدولة لذات الغرض. كما تضمنت «رؤية السيسى» دعوة الجميع للانضمام لهذا الوقف ودعمه، باعتبار أن تعليم أبناء الشعب المصرى هدف قومى، وفى ذات الوقت فإن كل مساهم فى هذا الجهد الخير له التقدير والثناء، ودعوة كافة الأوقاف الإسلامية وغيرها ومنظمات العمل الأهلى حول العالم للإسهام فى هذا الوقف، لإحداث النهضة التعليمية المصرية ودعم إنشاء مدارس جديدة بهدف خفض كثافة الطلاب بالفصول بما يُمكِن الطالب من تحصيل دروسه فى ظروف تواكب المعايير الدولية، كما تضمنت «رؤية السيسى» البرنامج القومى لمحو الأمية يقوم على تنسيق الجهود والمشاركة المجتمعية واستخدام الوسائل الحديثة والحوافز غير التقليدية فى عوامل ضمان تحقيق الهدف فعلياً وليس فقط الاعتماد على الشعارات.
تلك كانت رؤية لتطوير منظومة التعليم لم تجد اهتماماً بتفعيلها حتى اليوم، رغم أنها صدرت عن رئيس الجمهورية، ولو كانت قد بدأ تنفيذها ما كانت هناك حاجة إلى مزيد من المؤتمرات!