مبادرة إنسانية واحدة لم تتجاوز مدتها الشهرين، ما بين فبراير وأبريل من العام الحالى، كانت كفيلة بكشف الستار عن كنوز عربية أصيلة وأصحاب بصمات استثنائية كانوا وما زالوا يعملون بإحسان وإتقان وشغف وعزم لا يعرف المستحيل، وجهود دؤوبة تحتاج إلى مجلدات للتوثيق والتحليل والتعريف بهم وبإنجازاتهم. إنها كفاءات ونماذج عربية قدمتها مبادرة الشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس دولة الإمارات، من خلال مبادرته الاستثنائية «صناع الأمل» التى حفزت أكثر من 65 ألف مشارك من 22 دولة عربية تصدرتها مصر بنسبة مشاركة بلغت نحو 23% من إجمالى المرشحين، ليكشفوا الغطاء عن صندوق إبداعهم ويعلنوا للأرجاء عن مكنونهم الإنسانى، لنكون على موعد مع نماذج عربية إنسانية ملهمة فى العطاء بلا حدود ألهمت وأبكت الحضور فى أمسية الاحتفاء بهم فى 19 مايو الماضى فى دبى.
من منا كان يعلم أن بيننا قلباً نابضاً اسمه (ملاك اللاجئين)، التى لبت نداء الأمواج لتُغيث ما حملته من أجساد تصارع الموت فى جزيرة صقلية، إنها نوال الصوفى المغربية والنموذج الملهم، وطوق النجاة للباحثين عن الأمل والحياة.
من كان يتصور أن يخرج من بنى جلدتنا (قلب ذهبى) من عراق الحضارة، يصنع مستقبل بلده بإيواء ورعاية وتربية وتعليم وتطوير مئات من أطفال مبدعين، كانوا بالأمس مشردين فى الشوارع، إنه «هشام الذهبى» العراقى، صاحب «البيت العراقى للإبداع»، حيث ينام أطفال وهم مطمئنون بأن غداً هو يوم آخر جميل.
من منا سمع عن (ماما ماجى) بوجهها الملائكى المصرى الأصيل وقد عزفت أجمل لحن فى الحب والوفاء والعطاء، حين أرخت جدائل روحها المعطاءة قبل ثلاثة عقود لإعادة تأهيل الأطفال المشردين فى شوارع مصر، إنها «ماجدة جبران» بنت أرض الكنانة وصاحبة مبدأ «قيمة الإنسان لا تضاهيها أى قيمة أخرى». ومن منا سمع من قبل عن (سفيرة الكويت) التى زرعت الأمل والسعادة وسط أحزان اليمن، «معالى العسعوسى» التى تتحدى الموت الذى يهددها كل لحظة لإغاثة وتمكين اليمنيين منذ عشر سنوات.
ومن منا كان يعلم عن «الخوذ البيضاء» صانعى الأمل عبر السفير السورى «رائد صالح» الذى أمضى سنوات مع فريقه يعملون تحت القصف، وهم يسارعون لانتشال بقايا روح أو نبضات واهية تحت أكوام الأنقاض فى سوريا، مؤمنين بقول الحق تعالى: «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً».
أيها المستثمرون فى الإنسان قبل المكان، أيها الباحثون عن مبادرات إنسانية إبداعية فى مجالات المسئولية المجتمعية بعوائد مستدامة وأثرٍ باقٍ أبد الدهر، بين أيديكم ومن أقرانكم وعلى هذه الأرض العربية المضطربة والمثقلة بالهموم والأوجاع، نماذج تعادل وزارات وهيئات ومجالس قومية ووطنية مجتمعة فى الشئون الاجتماعية والإسكان والصحة والتعليم وإدارة الأزمات والطوارئ، سخرت حياتها وجهودها ومواردها لصناعة جيل المستقبل والعبور به من الفشل واليتم والشوارع والجريمة والمخدرات والحروب والضياع، إلى النجاح والتميز والمواطنة الإيجابية، والأهم منحه الأمل فى غد واعد والعيش الكريم فى مجتمعات تحاصرها التحديات والغلاء وقسوة القلوب والعدل البطىء وسوء إدارة الموارد وانعدام الضمير.
أجمل ما أبرزته هذه المبادرة هو أن مصر التى تصدرت قائمة الدول المشاركة بنسبة 23% من الترشيحات التى رسمت لوحة صناع الأمل، تمتلك الآن نحو 15 ألف صانع أمل، 15 ألف سفير للخير والعطاء الإنسانى، 15 ألف قلب نابض بالهمة والعمل والإخلاص والتفانى، يحتاجون نظرة من خارج الصندوق، من صناع القرار لتحقيق شراكة واعدة.. وهذا هو موضوع مقالنا المقبل إن شاء الله.