جبل كليمنجارو هو أعلى قمة فى قارة إفريقيا يقع فى بلدة تنزانيا، وهى أول بلد يحصل على الاستقلال فى إفريقيا. ذات يوم قال أحد قادة التحرير التنزانية "سنوقد شمعة على قمة الجبل لتضيء خارج حدودنا؛ لتعطي الشعوب الأمل فى وضع يسوده اليأس، الحب فى وضع تسوده الكراهية، والإحساس بالكرامة فى وضع يسود فيه الإذلال".
بالفعل أصبح الجبل رمزا للتحدى من خلال تنظيم العديد من الرحلات لصعود الجبل كان من أهمها؛ رحلة لدعم صندوق إغاثة الأطفال الفلسطينيين الذى يتولى علاج الأطفال سواء المرضى أو أصحاب الأطراف المبتورة. من هنا جاء الكاتب والشاعر الفلسطينى «إبراهيم نصرالله» بأحداث رواية «أرواح كليمنجارو»، الصادرة عام 2015 عن مؤسسة قطر للنشر.
تبدأ أحداث الرواية بمقدمة يتحدث من خلالها الكاتب عن مشاركته فى هذه الرحلة، ولم يجد أفضل من صفحات رواية؛ ليوثق من خلالها الأحداث والشخصيات التى التقاها، وبمرورالأحداث نجد ضمن أبطال الرواية كاتب، لكن بملامح مختلفة عن كاتبنا الأصلى؛ كى لا يؤثر ذلك على خيال القارئ.
جاءت الرواية مقسمة إلى عشرة أجزاء تحتضن مجموعة من الفصول التى جاء كل منها بعنوان مختلف؛ يعبرعن حدث مهم داخل ذلك الفصل، بالإضافة إلى العديد من التساؤلات التى يطرحها الكاتب فى بداية كل جزء يجيبها الأبطال من خلال الأحداث.
تبدأ الأحداث من بوابة «لوندوروسي»، وهى نقطة لقاء الأبطال وبداية الرحلة، كما أنها نقطة انطلاق الكاتب لتعريف القارئ بالأبطال وبالظروف التى سبقت وصولهم إلى الرحلة، لنلتقى أبطالنا على عتبات تلك البوابة كل منهم بالترتيب.
نلتقى «صوول» وهو قائد الرحلة والمسؤول عن كافة خدماتها، ذلك الفتى ذات الخلفية الرياضية التى أدت به إلى سبع رحلات لصعود الجبل؛ ليصبح أصغر مسؤول عن رحلات الصعود فيما بعد.
«يوسف» طفل فلسطينى فقد إحدى ساقيه جراء عملية إرهابية من قبل قوات الأحتلال فى بلدة الخليل بفلسطين، وبالرغم من ذلك لم تخلف هذه الإصابة بداخلة؛ سوى العزيمة والإصرار للبحث عن هدف يجدد دماء المقاومة بداخله، التى لم يفقدها حتى بعد أن عطلته بوابات التفتيش ومنعته الوصول إلى نقطة الالتقاء فى موعده، لكنه استطاع الوصول ليعبر الكاتب من خلاله عن الروح الحرة والإرادة القوية للطفل الفلسطينى بل لشعب كامل.
«نورا» البطلة الفلسطينية الثانية، التى تنتمى إلى بلدة نابلس، تلك الفتاة التى لم تفارقها الابتسامة وعلامة النصر حتى بعد الإصابة التى أفقدتها ساقها، فهى ترفض أن يراها أحد أويلتقط لها صورة دون ابتسامتها؛ ليعبر من خلالها الكاتب عن شعب كامل نضاله الحقيقي فى ثباته وكبريائه المتجدد مهما كانت الظروف التى يعانيها.
ثم يستوقفنا الكاتب طويلا أمام «أروى» الطبيبة الفلسطينية التى خلفت وراءها أحلامها فى كندا عائدة إلى أرض الوطن؛ لمساعدة جرحى النضال اليومى فى فلسطين، حتى تلتقى «غسان» أحد هؤلاء المصابين الذى يرفض أن تصطحبه الطبيبة فى رحلة صعود الجبل؛ كى لا يترك مكانه فى حراسة المنزل من الاعتداء اليومى لأحد المستوطنين الإسرائيليين، حتى أصطحبته «أروى» كجزء من خيالها أثناء رحلتها فى الصعود، فتشعر من أسلوب السرد أنه بالفعل كان بصحبتها، وقد جاء الكاتب بهذا البطل الصغير؛ ليعبر بمنتهى البساطة من خلاله عن المناضلين دوما والمرابطين على أبواب القدس الآن.
وبمرور الأحداث لم يتجاهل الكاتب أن يذكرنا ببشاعة تجار الأحلام والإنسانية، أصحاب البطولات المشبوهة فى شخص «جبريل» رجل الأعمال الفلسطينى الذى شارك فى هذه الرحلة؛ لاستغلال صعود الأطفال فى التسويق لأحد مشروعاته الجديدة.
يأتى أسلوب السرد داخل الرواية فى صورة جديدة خلقت منه بطل آخر حاضر وبقوة؛ فكلما واجه أحد الأبطال مشكلة من نقص أكسجين أو ألم فى أحد أطرافه، يستغل الكاتب هذه النقطة ويعود بنا وبهذا البطل إلى الخلف؛ يروى تفاصيل حياته التى أدت إلى الإصابة النفسية والجسدية وبذلك يتعرف القارئ على شخصيات الأبطال، فقد استطاع الكاتب أن يستخدم تقنية الفلاش باك بلغة أهل السينما عن طريق الكتابة؛ ليكون صورة كاملة فى ذهن القارئ عن الأبطال.
من خلال هذه الصعوبات أيضا يطرح الكاتب السؤال الأبدى فى الصراع الدائم بداخلنا بين الماضى والحاضر؛ هل التحدى هو لما عانيته فى الماضى من أحداث ولم تتجاوزه بعد؟ أم ما تواجهه فى الوقت الحاضر؟ ومن منهم المسيطر ومن منهم المنتصر؟!
تنتهى أحداث الرواية بصعود الأبطال الجبل وعودة «يوسف ونورا» إلى فلسطين كل منهم بأطرافه سليمة وفقا لهدفهم طوال الرحلة؛ فقد جمع الكاتب كل هؤلاء الأبطال داخل الأحداث وآخرين من جنسيات مختلفة؛ ليكمل كل منهم فى الآخر ما يفتقده من خلال المساعدة وعزاء كل منهم للآخر ولو بالكلمات.
لم يقف الكاتب طويلا أمام فرحة الوصول إلى القمة؛ فهناك سؤال مهم هل الوصول إلى هدف صعب يعنى أنك قد حققت كل ما تمنيت؟ أم أنها فقط البداية لتتعرف على قدراتك الحقيقية؟! كما تركنى الكاتب أمام حقيقة وجدتها فى تجارب الأبطال؛ ليس القدر وحده هو من يختار لنا الصعوبات بل إرادة الحياة بداخلنا أيضا تختار؛ حين تريد أن تتجدد فنشعر أننا أحياء وبقدر قوتنا تكن شدتها؛ لأنها تعلم أن إرادتنا هى حتما المنتصرة فى النهاية.