خصص المؤتمر الوطنى الدورى الرابع للشباب المنعقد بمدينة الإسكندرية يومى الاثنين والثلاثاء الموافقين 24 و25 يوليو 2017م جلسة لمناقشة فكرة «صناعة الدولة الفاشلة وآليات المواجهة»، حيث بدأت الجلسة بعرض فيلم تسجيلى عن استراتيجية الحروب وأدواتها المستخدمة منذ فجر التاريخ، حتى وصلت إلى ما يشهده العالم الآن من حروب الجيل الرابع التى تستهدف إسقاط الدول فى دوامة الفوضى والتفكك، وبحيث ينطبق عليها وصف «الدولة الفاشلة» (Failing state) أو (Failed state).
والواقع أن مصطلح «الدولة الفاشلة» ظهر على يد الفيلسوف الأمريكى نعوم تشومسكى، وذلك فى مؤلفه عن «الدول الفاشلة - إساءة استخدام القوة والتعدى على الديمقراطية». وانتقل المصطلح بعد ذلك إلى أجهزة الإعلام الغربية، حتى صار شائعاً استخدامه فيها. من ناحية أخرى، ثمة مؤشر سنوى يصدر عن صندوق السلام ومجلة فورين بوليسى الأمريكية منذ سنة 2005م عن «الدول الفاشلة»، وتغير مسماه مؤخراً إلى «مؤشر الدول الهشة أو الرخوة»، حيث صدرت النسخة الأخيرة منه عام 2017م تحت هذا المسمى الجديد. ورغم أن اسم المؤشر قد يوحى بأنه قاصر فقط على الدول التى ينطبق عليها وصف الدولة الهشة أو الرخوة، إلا أن هذا المؤشر يتضمن تصنيفاً لكل الدول ذات السيادة فى الأمم المتحدة. ويعتمد هذا التصنيف على عدد من المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. كذلك، فإن الحديث عن «صناعة الدولة الفاشلة» يستدعى إلى الأذهان تصريحات كوندليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، عن «الفوضى الخلاقة» و«الشرق الأوسط الجديد».
والدولة الفاشلة هى دولة ذات حكومة ضعيفة، لا تملك السيطرة على جزء كبير من أراضيها. وإذا نظرنا إلى خريطة الدول الفاشلة فى عالمنا المعاصر، نجدها عشرين دولة، معظمها فى قارة أفريقيا والمنطقة العربية، بالإضافة إلى هاييتى وبورما وأفغانستان وباكستان وتيمور الشرقية. وتقع ست دول عربية ضمن تصنيف الدول الفاشلة، وهى: الصومال، العراق، السودان، ليبيا، سوريا، واليمن.
وفيما يتعلق بمصر، فقد احتلت فى المؤشر السنوى لعام 2017م المرتبة 36 عالمياً. كذلك، سبق للرئيس عبدالفتاح السيسى أن استخدم مصطلح «شبه الدولة» لتوصيف الحالة فى مصر بعد ثورة 25 يناير. وتعليقاً على ظاهرة الاستيلاء على أراضى الدولة، قال الرئيس: «دى مش طابونة». ويبدو أن الرئيس أراد أن يقول إن الدولة التى تسمح بالاستيلاء على أراضيها لا تستحق أن توصف بأنها دولة، ولذلك أصدر توجيهاته إلى وزير الداخلية بضرورة العمل على استرداد الأراضى المستولى عليها خلال شهر واحد، كما أكد الرئيس خلال مؤتمر الشباب الأخير تراجع قدرات الدولة المصرية كلها بكل أجهزتها ومؤسساتها خلال الأربعين سنة الماضية. ومن ثم، كان من الطبيعى أن يؤكد الرئيس أن تثبيت الدولة المصرية كان هو الهدف لمدة أربع سنوات، وأن محاور الحركة التى تم العمل عليها خلال السنوات الثلاث السابقة من رئاسته هى معالجة كل الأسباب التى تؤدى إلى إسقاط الدولة.
ودعونا نتفق أنه إذا كانت «صناعة الدول الفاشلة» فى العالم العربى هى هدف قوى الشر والتآمر، فإن ذلك ليس المراد النهائى لهم. إذ إن غايتهم هى تفتيت الدول العربية إلى دويلات صغيرة متصارعة ومتناحرة فيما بينها، على أساس طائفى أو دينى، وذلك حتى يسهل على إسرائيل السيطرة عليها والقضاء على أى خطر يتهدد وجودها. وفى هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى العديد من التقارير والدراسات التى تحدثت عن المخططات الرامية إلى تقسيم مصر إلى ثلاث دويلات صغيرة، وتنفيذ تصور الغرب للحل النهائى لمشكلة الشرق الأوسط، من خلال توطين الفلسطينيين فى شبه جزيرة سيناء.
ويركز البعض فى حديثهم عن «صناعة الدولة الفاشلة» على دور الشائعات فى زعزعة ثقة الشعوب فى حكوماتها وفى قدرتها على النهوض من جديد. ولا جدال أن الأخبار الكاذبة والحرب المعنوية تشكل عنصراً أساسياً فى الحروب التقليدية وغدا لها دور أكبر فى حروب الجيل الرابع، ولكن ليست العنصر الوحيد فى مخططات صناعة الدولة الفاشلة. إذ يعتمد هذا المفهوم على العديد من الوسائل والآليات، والتى تختلف من دولة إلى أخرى بحسب الظروف السياسية والاقتصادية وشكل التركيبة السكانية للمجتمع وخريطة الجغرافيا السياسية للدولة، وهو ما يشكل محور الحديث فى المقال المقبل.