شاءت الأقدار أن أحضر فى الأسبوع الماضى فعاليتين لا يجمعهما رابط سوى عنوان مكافحة التطرف والإرهاب، بينما يفصل بينهما المكان والزمان والخلفية المجتمعية. كانت الأولى يوم الاثنين الماضى حينما دعانى دكتور أندريه زكى رئيس الطائفة الإنجيلية لحضور لقاء وفد الكنائس الأمريكية الذى زار مصر مؤخراً والتقى الرئيس عبدالفتاح السيسى لبحث قضية مكافحة الإرهاب. وكانت الثانية ورشة العمل والتدريب التى نظمها المجلس القومى للمرأة فى أسيوط لتدريب واعظات الأوقاف وراهبات وخادمات الكنائس لمكافحة التطرف فى ظل مبادرة «معاً فى خدمة وطن». واكتشفت يا سادة أن عدونا الأول فى كلتا الجلستين هو جهلنا بالمعلومة وإغلاق باب التفكير.
فى لقاء وفد الكنائس الأمريكية كان الحديث من قبل البعض عن سماحة الإسلام ورفضه للتطرف وعدم علاقته بما يحدث من إرهاب استقر الرأى على أنه تمويل وصناعة غربية على وجه العموم وأمريكية على وجه الخصوص. وجاءتنى الكلمة فقلت إن الإسلام ليس بحاجة لدفاعى عنه أو تبريرى لما يفعله شواذ باسمه زوراً فالرسالات السماوية جميعها لم تأتِ بما يضطهد الإنسان أو يرهبه. ولكنها رسالات تراكمية تماماً كالحضارة البشرية جاءت لرفاهية الإنسان ومنحه مبادئ إعمار الأرض. ولذا فالأزمة أزمة إنسان لا أزمة دين. ولنا فى تاريخ البشر دليل لا يتعلق بالإسلام فقط. فهل للحروب الصليبية التى رفعت الصليب لغزو الشرق الأوسط فقتلت مسيحيين ويهوداً فى أوروبا قبل مجيئها لنا علاقة بالمسيحية؟ وهل لحادثة «بريفيك» ذلك المتطرف اليمينى فى النرويج الذى قتل 77 طفلاً وشاباً ومسئولاً فى عام 2011 علاقة بالمسيحية؟ وهل لـ«أليكس فينز» الألمانى المتطرف قاتل مروة الشربينى فى عام 2009 علاقة بالمسيحية؟ وهل لمظاهرات اليمين المتطرف فى أمريكا الشهر الماضى علاقة بالمسيحية؟ الأزمة أزمتنا جميعاً كبشرية بحاجة لنشر التعليم الناقد واحترام وقبول الآخر وزيادة فرص العمل وتحسين الإنتاج بدلاً من إنفاق مليارات على تمويل التطرف باسم الدين بينما هو فعل سياسى يخدم مصالح من يموله.
وفى لقاء الواعظات والراهبات وخادمات الكنائس لم يختلف الحديث فقد وجدت أن أزمتنا واحدة. إنسان يفتقد الرؤية الكاملة للمعلومة رغم علمه بالظاهر منها. إنسان لم يفكر يوماً فى قصة تراكمية الدين برسالات الله السماوية. إنسان لم يتوقف لحظة عند واحد من أهم أحاديث رسول الله محمد عليه صلوات ربى حينما قال إن مثله ومثل الأنبياء كمثل جدار كان ينقصه لبنة -أى حجر- وأنه تلك اللبنة. أليس فى ذلك تأكيد بتراكمية الدين الذى اكتمل بالرسالة المحمدية التى أنهت ما قام به من سبقوها من رسل؟ أليس فى ذلك تأكيد للبشرية بالمعنى الحقيقى لقول الخالق {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (الشعراء: 89)، ثم إنه هو الحكم والفيصل فى عباده الذين خلقهم؟ أليس فى آية {اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (الحج: 69)، ثلاث رسائل مهمة تقر بحدوث الاختلاف وتوضح ميقات الفصل فيه وتوضح أنه سبحانه من سيحكم فيه؟
لذا فنحن بحاجة لتعلم الإنسانية والدفاع عن قيمها والإصرار على العيش بها، أما الدين فهو علاقة شخصية بين العبد وربه سيحكم فيها الخالق يوم العرض عليه. فلماذا يتخذ كل منا مكان الله ويدعى الحكم على البشر؟ لماذا نصدر الدين منبراً لأزماتنا وهو منها براء؟ لماذا نوقف العقل عن العمل والفكر باسم الدين بينما عُشر آيات القرآن تتحدث عن إعمال العقل بالتدبر والتبصر والتفكر والتعقل؟ لماذا نتناسى حقيقة أن العقل أمانة حملها الإنسان دون خلق الله وسيحاسب على أساسها؟
أدركت فى اللقاءين كيف أن الدين كان منذ وجوده على الأرض أفيون الشعوب المغيبة استغله الساسة لحماية مصالحهم لا للدفاع عن الله. وتتابع على البشرية استغلاله لحماية أهوائهم. لذا آمنت أن الدين لله والأرض لجميع خلقه يحكم هو بينهم فيما اختلفوا فيه. وتبقى الإنسانية هدفاً.