أخذت الحفلة التى أقيمت فى التجمع الخامس بالقاهرة وشهدت رفع عدد من الشباب علماً يشير إلى الشذوذ الجنسى حيزاً كبيراً من الاهتمام فى الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعى، ووصلت لمنبر الجامع الأزهر، وجعل منها الأئمة والخطباء نصيباً وافراً فى باقى المنابر، وقال الأزهر رأيه فى الموضوع، وهى غضبة محمودة، والأمر لا يحتاج فى وصفه أكثر من الوصف الذى أطلقه الله: «ولوطاً آتَيْنَاه حكماً وعلماً ونجيناه من القرية التى كانت تعمل الخبائث أنهم كانوا قوم سوء فاسقين»، فوصف الشذوذ الجنسى بالخبث والسوء والفسوق، ولا يوجد صاحب فطرة سليمة أياً كانت ديانته إلا ويرفضه، لكن هل حالة الصياح والحماس التى تعامل بها الإعلام ومواقع التواصل والشيوخ مع القضية أدت إلى نتائج إيجابية؟ للأسف البعض خشى من سهام الانتقاد إذا سكت، والنتيجة أن الشواذ لم يخسروا المعركة، بل كسبوها بسبب التعامل معهم بصورة حماسية انفعالية، لا علمية ولا عقلانية.
إن الباطل (والشذوذ باطل) يتم التعامل معه بثلاث طرق:
الأول: تركه، وقديماً قالوا: «أميتوا الباطل بتركه»، فلا تضع له أى اعتبار أو قيمة، وفى هذه الحالة سيموت، ولذلك وجبت التحية لعلماء الأزهر وغيرهم ممن التفتوا إلى هذا المعنى، فلم يصدر منهم أى تعليق.
الثانى: حصاره وتفكيكه والرد عليه، والانتقال من وصف الجريمة إلى اقتراح الحلول، وفى هذه الحالة سيموت أيضاً.
الثالث: بالسب والثورية والصياح والشعارات، وفى هذه الحالة سيزداد انتشاراً ويجد متعاطفين، وتعالوا لبعض مكاسبهم بسبب التعامل مع القضية بالحماس والشعارات:
الأول: بحسن نية أطلق البعض عليهم مصطلح (المثليين)، وهو مصطلح فيه لطف وحنان وطبطبة، ومحبب لهم، بخلاف مصطلح (الشواذ أو اللوطية) الذى يمتلئ بالنفور والاشمئزاز والتقزز.
الثانى: مع أن أعداد الشواذ فى الحفلة لا يتجاوز أصابع اليد، إلا أن الكثيرين صوروا الأمر على أن الحفلة كلها للشواذ، بما يعنى أن عددهم تحول بين عشية وضحاها إلى ٥٠ ألفاً، وحين يكون عددهم١٠ أو ٢٠ فرداً فنعدهم ٣٠ أو ٥٠ ألفاً فإن هذه رسالة لكل شاذ بأن جريمته عادية، بدليل أن الآلاف غيره يفعلونها.
ثم أشير هنا إلى أن قضية الشذوذ لم تتوقف عند حد الشهوة، بل تجاوزتها فى نظر أصحابها إلى كونها نوعاً من التحرر والانفتاح، علماً بأن هذا النوع من التحرر والانفتاح تنتكس به البشرية، ويصيب صاحبه بعذاب فى الدنيا والآخرة، ثم صارت فكرة لها مسوغاتها عند مرتكبيها، فمثلاً هم يفرقون بين المثلية والشذوذ، ويزعمون أن الله عاقب قوم لوط لأنهم كان شواذاً وليسوا مثليين، فالحرام هو الشذوذ وليس المثلية، لأن المثلية طبع خلقه الله فى الشخص دون حول منه ولا قوة، ثم يستدلون بآيات قرآنية من سورتى الكهف والنور للتخفيف من جريمتهم.
القارئ فى غنى عن القول بأن كلامهم عبث بالقرآن وانتهاك لحرمة العلم واللغة، ولا غرابة فإن بيننا من يعبث بالقرآن فيستخرج منه آيات تقتل جنود قواتنا المسلحة، وهنا آخر يعبث بالقرآن فيستخرج منه آيات تنتكس بها الفطرة، والمقصود أن الشواذ لهم أفكار وحجج، وأمامنا نموذج الباحث الأستاذ معز مسعود، الذى ناقش حججهم فى الغرب بعقلانية لا حماس، فكانت النتيجة تراجع عدد كبير منهم عن فعلتهم، لكن هل يمكن أن تجد شاذاً واحداً تراجع عن موقفه فى حالتنا؟ الإجابة بالنفى، لأننا لم نسكت فيموت الباطل، ولم نتكلم فنفند الحجج، ولم نقترح إجراءات عملية للقضاء والوقاية من هذا المرض، بل اكتفينا بالسب والصياح لتبرئة النفس أمام الغير من الاتهام بالسكوت فجاء حماسنا فى مصلحتهم.