لا مستقبل دون بغداد، لا نظام إقليمى عربى، ولا أمن قومى عربى دون العراق. هذه هى الحقيقة الجيواستراتيجية التى ينبغى ألا نغفل عنها.
(1)
لا توجد أيّة معلومات سرية فى شرح رؤية الغرب لبلادنا وأُمّتنا، ببساطة: تطرف سنى وتطرف شيعى، ثم حرب مذهبية بين السنة والشيعة، وتتكفّل هذه الحرب الأهلية الإسلامية بإبعاد العرب والمسلمين من خريطة العالم طيلة القرن الحادى والعشرين.
يقول بعض مثقفى الغرب: إن هذه الحرب ضرورية من أجل الوصول إلى الحداثة مثلما فعلت حرب الثلاثين عاماً فى أوروبا بين البروتستانتية والكاثوليكية، ويقول بعضهم إن الحرب الأهلية الإسلامية يجب أن تمتد إلى أكثر من ذلك من أجل إعادة بناء الدول الإسلامية على أسس من الديمقراطية وحقوق الإنسان.
ويتوقع بعضهم أن تمتد الحرب إلى أكثر من قرن نتيجة التعقيدات الدينية والعرقيّة والاجتماعية فى المنطقة، لكنها فى نهاية المطاف سوف تسفِر عن مجتمع أفضل.
لا أحتاج أن أقول إن هذه الأفكار يرددها أشخاص بوزن توماس فريدمان وفريد زكريا ويوشكا فيشر. لا سريّة فى الأمر إذاً، البعض يريدونها حرباً مذهبية تستغرق المائة عام المقبلة.
فى الغرب ساسة ومفكرون أخلاقيّون لا يقبلون بهذه الرؤية، لكن الغلبة على ما يبدو للقوى غير الأخلاقية.
(2)
إذاً، فإن الصورة واضحة تماماً؛ حرب باردة بين إيران والسعودية، تنتهى إلى حرب ساخنة بين الشيعة والسنة، سيمتد حزام النار من اليمن إلى شرق الخليج، ثم من البصرة إلى بيروت، سيمتد أيضاً إلى قلب باكستان التى راح ضحية الصدام السنى الشيعى فيها حتى الآن قرابة خمسين ألف قتيل، وسيمتد أيضاً إلى إندونيسيا، كبرى الدول الإسلامية فى آسيا، ونيجيريا، كبرى الدول الإسلامية فى أفريقيا.
لن يوقف هذا الدمار أحد، ستكون حرب المساجد، فلا يبقى الكثير مما يُذكر فيه اسم الله، وستكون حرب المشايخ، فلن يبقى فى الصورة إلا متطرف أو عميل، وسيعتزل كثير من المخلصين الأتقياء زمن الفتنة، ويلتزمون بيوتهم، فلا يكون فى الشارع الإسلامى غير أنصار الدمّ من كل اتجاه.
إنه سيناريو مروّع، لو بدأ فى الانطلاق لن يوقفه أحد، والحل الوحيد لـ«مأساة القرن» هو ألاّ تقع هذه المأساة، إنها الحرب التى ينبغى ألاّ تبدأ.
(3)
هنا العراق، العراق هو الحل، إذا صلُحَ العراق صلُحت الأمة، وإذا انهار العراق كانت بداية النهاية للسياسة والحضارة.
العراق دولة عربية، وثقافته عربية، وبغداد عاصمة العروبة الأكثر جاذبية على مدى تاريخٍ طويل، ومن المؤسف أن يتحدث البعض عن العراق وكأنه امتداد لإيران، وعن الشيعة العراقيين وكأنهم شيعة فارسيون!
إن الشيعة العراقيين هم جزء من أمتنا وتاريخنا، حاضرنا ومستقبلنا، ليسوا طابوراً خامساً إيرانياً، ذلك أن العراق كان باستمرار هو الحضارة الأسمى واليد الأعلى. وكانت إيران لقرون طويلة تدور فى فلك العراق وليس العكس.
كانت بغداد هى عاصمة ذلك اليابس الكبير، وكانت كل إيران وغيرها أقاليم تابعة لبغداد، ودوائر تتلقى الأمر والنهى من العراق.
إن مرجعية الشيعة فى النجف لا فى قم، والشيعة الفارسيون يتبعون دينياً الشيعة العرب، ولا يتبع الشيعة العرب شيعة الفرس بأىّ حال.
إن المعادلة التى نجحت فيما قبل يمكنها أن تنجح الآن، منع الحرب الأهلية بين الشيعة والسنة فى العراق، ومنع تحول الحرب الباردة إلى حرب ساخنة بين السعودية وإيران.. ومنع اندلاع «الحرب العالمية الأهلية الإسلامية» بكل ما نملك من دين ودنيا.
(4)
إننا محظوظون -فى الآونة الأخيرة- بوجود رئيس الوزراء العربى المثقف حيدر العبادى، الذى نجح فى نسج علاقات متميزة مع مصر والسعودية، ومحظوظون برؤيته حول استحالة تقسيم المنطقة أكثر مما هى مقسّمة، وضرورة الحوار السنّى الشيعى لمنع الكارثة، وحتميّة العمل على ترميم الأمن القومى العربى، واستعادة الأمل فى بلادنا.
إن رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى يقدِّم أطروحةً عروبيّة تقوم على مثلث: الأمن والتنمية والأمل.
إننا نحتاج إلى دعم رؤية الزعيم العراقى، وإلى التعاون معه فى منع الانزلاق إلى حافة الهاوية، وإلى بناء نظام إقليمى عربى تبدأ قواعده الكبرى من العراق.
إننا نحتاج العراق ويحتاجنا العراق أكثر من أى وقت مضى، قولاً واحداً، إذا كان السؤال: ما العمل؟ الإجابة: بغداد.
حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر