قيادات الدول والخبراء الذين أكدوا لنا قبل ثلاث سنوات أن تنظيم ودولة داعش الإرهابية سوف تستمر لما يزيد على عشر سنوات، قد أصابهم الخرس مؤخراً مع الهزائم المتلاحقة للدواعش فى العراق وسوريا، وتأكد كل الأطراف من سرعة اختفاء دولة وتنظيم داعش الإرهابى خلال شهور مطلع 2018.
ونشطت دوائر الشرق والغرب لدراسة الحالة الجديدة وتوقعات ما سيجرى فى المنطقة بعد اختفاء داعش ورغبة دول إقليمية ودولية فى اقتسام القوة الفعلية والفراغ الذى ستخلفه داعش مع الإبقاء على حالة الضعف النسبى فى حكومتى العراق وسوريا، بما يستمر معه تصعيد حالات العنف والحروب الإقليمية المحدودة التى يمكن أن تتطور لحرب عالمية إذا أفلتت السيطرة على مجريات الصراع بين الأطراف الفاعلة فيه.. ويصنف الخبراء الدول الأقرب إلى إشعال حروب إقليمية إلى ثلاثة محاور هى:
محور تركيا وحلفائها.. وتركيا لن تستسلم ولها مصالحها العلنية والسرية فى سوريا والعراق، وتظهر توافقاً مع حكومة بغداد مع عداء عنيف ضد دمشق، وتنشر قواتها المسلحة حول الفرات وفى إدلب.. وحكومة سوريا تتناقض علناً مع حلفائها فى موسكو وطهران تجاه الدور التركى فى المنطقة، وتصر دمشق على انسحاب تركيا من أراضيها وإلغاء حوار المعارضة فى الأستانة وتصف ما تقوم به تركيا بالعدوان المباشر والاحتلال البغيض.
وفى المقابل فإن تركيا تصم أذنيها عن غضب سوريا وتسعى لدعم علاقاتها مع موسكو وطهران وتدمر كل أشكال النشاط الكردى على حدودها مع العراق وسوريا على الرغم من الدعم الغربى لبعض فصائل الأكراد.. وتبدو تركيا هنا مصدراً لتصدير العنف والقتل ومحوراً لتحالفات مشبوهة قد تستخدم الحرب لتحقيق مصالحها وربما يكون الصراع العسكرى التركى ضد الحليف الإيرانى بسبب الأكراد واقتسام غنائم ما بعد داعش وسوريا هو الأسرع فى التحقق قريباً.
ومحور إيران وحلفائها.. وإيران التى دفعت المليارات من المال والسلاح والتحالفات المتناقضة لتصبح الرقم الأقوى فى معادلة القوى الإقليمية، فلن تتخلى عن الاستثمارات التى أنفقتها فى العراق وسوريا وستقاتل بلا هوادة ضد كل الأطراف التى تسعى إلى إضعاف النفوذ الإيرانى وفرصتها السانحة فى تحويل الفراغ الناشئ عن هزيمة داعش إلى قوة جديدة للوجود الإيرانى وتحالفاته على الأرض.. وإيران معتادة على الدخول فى حروب طويلة.. ولن تأمن إيران لتركيا التى تتوسع عسكرياً وسياسياً على حساب إيران.
والمحور الثالث هو المملكة السعودية وحلفائها.. والسعودية التى ضعف تأثيرها فى الأزمة السورية بعد فشل المعارضة التى تبنتها الرياض لن تترك الساحة لإيران أو لتركيا، وقد أصبح دعم السعودية لقوات سوريا الديمقراطية (أكراد سوريا) وسيلتها للبقاء الفاعل فى سوريا.. وهو ما تعتبره تركيا أشبه بإعلان حرب من السعودية ويضخم التوتر الموقف التركى الانتهازى الإخوانى فى الأزمة التى صنعتها قطر ضد أشقائها العرب والتى تستغلها تركيا مادياً واستراتيجياً لنهب وإضعاف قطر، وربما تستغل أنقرة الخلافات لتشعل حرباً محدودة على خلفية إثبات الوجود وحصد المكاسب وربما تنسق تركيا وإيران مؤقتاً لإضعاف المحور العربى السعودى فى المنطقة. وإذا كان من يتوقعون السيناريوهات للمنطقة يتجهون إلى الأسوأ ويصرون على استمرار إشعال نيران الحروب البينية بالمنطقة بعد هزيمة لعبتهم الداعشية.. فإننا نرى الكثير من المعوقات التى تفشل هذا السيناريو الأسود، حيث تنبهت شعوب وحكام المنطقة إلى مغبة الاندفاع فى أعمال عسكرية وتخريب وإثارة للطائفية والعرقية والمذهبية طوال السنوات الماضية، ومن ثم فإن اللجوء إلى الحرب سيبقى الخيار الأبعد مع استمرار آليات العناد والتآمر والفتن لإضعاف الآخر.
كما أن الآثار المدمرة للعبة داعش الإرهابية فى الدول التى صنعت اللعبة ومولتها سوف يكون لها تداعيات متعددة، حيث ينقلب الدواعش للثأر ممن لعبوا بهم.. ونرى أن تأجج حالات الخوف من إذكاء الصراعات فى المنطقة يدعمه الخوف من تعرض الداخل فى معظم دول العالم إلى عمليات إرهابية قاصمة تهدد استقرار الحكومات والدول الكبرى فى العالم.. حمى الله العالم والبشرية من مشعلى الحروب.. ويجب أن ننتبه لهم.. والله غالب.