فى مشهد عبثى من فيلم «الثلاثة يشتغلونها» قامت البطلة (النجمة ياسمين عبدالعزيز) وزميلاتها المنتقبات بتحطيم التماثيل داخل كلية الفنون الجميلة بزعم أنها حرام. وفى عهد الإخوان قام البعض بتغطية التماثيل فى الشوارع. وطبقاً للمذهب الوهابى ففن «البورتريه» تحديداً حرام، وهو نفس المنهج الذى يتبناه الكثير من مشايخ مصر (المحروسة بحضارتها ومفكريها ومبدعيها)!
هذه المقدمة تتعلق تحديداً بالشيخ «خالد الجندى»، العالم الأزهرى، كما يفضّل أن يلقب نفسه، عرفت «الجندى» قبل عشر سنوات، وراهنت على أنه «داعية وسطى» بدليل أنه تزوج من «مسيحية»، اختلفت معه كثيراً واتفقت معه أحياناً.. واستشرته فى أمور عدة، وكان يفيدنى خاصة فيما يتعلق باختراق الإخوان لإحدى مؤسسات الدولة الهامة (الحدق يفهم)!
فى عام 2010 دارت معركة ساخنة بين «الجندى» وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور «أحمد الطيب»، شيخ الأزهر، حول «الطب النبوى»، ووصف «الطيب» تمويل قناة «أزهرى» بأنه «مريب» و«مشبوه»، وكان «الجندى» نجم القناة، ومسئولاً عن إدارتها، وشريكاً فيها بالثلث، بجانب «الدكتور يحيى البستانى ورجل الأعمال الليبى حسن ططنناكى»!.
ورغم أن «خالد الجندى» تخرج فى جامعة الأزهر ولا يزال موظفاً على درجة متميزة فى وزارة الأوقاف فإن شيخ الأزهر لا يعتبره واحداً منهم، وهو ما جعل المتحدث الرسمى باسم المشيخة يصفه بـ«الداعية المستقل»، ليس من باب الإعجاب الذى تحمله الكلمة، وإنما من باب إنكار نسبه للجامع العريق!
المهم تم ترتيب لقاء بين «الطيب» والجندى» بواسطة جهة أمنية، فى ذلك اللقاء قال أحمد الطيب: «إنك تنكر وجود الطب النبوى وتصفه بالطب البدوى، أليس ذلك صحيحاً؟».
أجاب خالد الجندى: «نعم.. فليس هناك ما يسمى بالطب النبوى، ولو قلت لى إن أبى جهل أو أبى لهب لم يعالجا بالحجامة مثل النبى سوف أوافقك فى وجود الطب النبوى.. ولو أن النبى يعيش فى زماننا فإنه كان سيُجرى أشعة مقطعية ورسم قلب وتحليل دم كاملاً».
قال أحمد الطيب: «لكنك وصفت النبى بالبدوى».
رد خالد الجندى: «حاشا لله أن أكون فعلت ذلك»!
وخرج «الجندى» من اللقاء مازحاً وصارخاً: «لقد شلحنى شيخ الأزهر». لقد حاول «الجندى» أن يضع قناة «أزهرى» فى خدمة الأزهر لكن «الطيب» لم يقبل الهدية. وبعد ثورة 30 يونيو تحول موقف «الجندى» 180 درجة فجأة، وأصبح المدافع الأول عن الأزهر «علناً»، والله وحده يعلم ما تخفيه الصدور، هل تلقى تعليمات بذلك؟.. هل يريد «اعتراف» الأزهر به؟.. هل يدّعى «الجندى» الوسطية ويحترف «التكفير»؟.. كل هذ التساؤلات يجيب عنها هجومه على الدكتور والإعلامى «خالد منتصر». بعد حوار «منتصر» مع «اليوم السابع»، الذى قال فيه إن الأزهر يسيطر عليه تيار سلفى متشدد، وإن الأزهر الشريف يرفض المنهج العقلى خوفاً من علمائه من فقدان السطوة المجتمعية، بدأت حملة الأزهريين على «خالد منتصر» كأحد رموز الاستنارة فى وقت يريد فيه البعض أن يسود «الظلام».. وأن يتم وضع «بلاك أوت» على العقول.
وبصفة «الجندى» أحد علماء الأزهر التقط صورة نشرها «منتصر» على صفحته بالفيس بوك، والصورة لتمثال اغتصاب بروزربينا، المنحوتة الفنية المشهورة للنحات الإيطالى جيان لورينزو برنينى فى العام 1621، وخصص «الجندى» حلقة من برنامجه «لعلهم يفقهون» المذاع على قناة Dmc للهجوم على «منتصر».. واتهمه بنشر الفحشاء (!!!).
وقال «الجندى»: «دكتور منسوب للطب ظلماً وعدواناً ينشر صوراً جنسية على الملأ عبر صفحته باعتبارها منحوتة، وبيقولك كل شىء ممكن المهم طريقة التناول».. وكان أحرى به هنا أن يتذكر أنه «عالم» ينكره الإمام الأكبر شخصياً ويرفض انتسابه للأزهر!
المهم تطايرت الحرائق، وفى مداخلة هاتفية مع الإعلامية «رشا نبيل» على قناة «دريم»، قال «الجندى» ما نصه: «الدكتور خالد منتصر هاجم شيخ الأزهر، وحرّض على مؤسسة الأزهر، كما حرّض على مجمع البحوث الإسلامية، ونشر صورة فاحشة تحت مسمى الإبداع، والصورة يعاقب عليها القانون».. ولوّح «الجندى» بتهمة ازدراء الأديان قائلاً: «لو فيه محامى دكر يرفع على خالد منتصر قضية».. وكال لمنتصر اتهامات الاعتداء على الأخلاق والفضيلة فى جمل مطاطة يمكن اعتبارها «اغتيالاً معنوياً» لكاتب مستنير!
نسى «العالم الأزهرى» كل تراث الجنس فى كتب «الفقه»، وتجاوز عن فتاوى «السعار الجنسى»، وحوّل برنامجه إلى محاكم تفتيش تشق صدور المفكرين، وانضم إلى «كتّاب التكفير» محرضاً على «دعوى حسبة»!.. ولم يتبق أمام «الجندى» إلا المطالبة بقطع يدى «منتصر» ورجليه من خلاف.. سعياً وراء «هدف» أو «لقب» فاقد للمصداقية.
أسقط الرجل -الذى حسبته وسطياً- من حساباته أن حضارة مصر الفرعونية كلها «تماثيل» ولوحات جدارية بعضها عارٍ وبعضها راقص.. ولم يتبق إلا أن يطالب بهدم «أبو الهول» وغلق المتاحف وإعدام رموز الاستنارة أو رجمهم حتى الموت، لأنه اعتقد خطأ أنه «وصى على الإسلام والفضيلة»!
يا شيخ «خالد»: لن يرضى عنك شيخ الأزهر مهما تنازلت، لكن أن تنضم لكتائب التكفير، فهذا يستوجب محاكمتك أنت (تماماً مثل سالم عبدالجليل).. نحن لا ترهبنا لهجتك الساخرة المبطنة بفتاوى التحريض على القتل.. فعد كما كنت ولو «شكلياً» الداعية الوسطى الذى يضع «البيانو» فى قصره المنيف ويباهى الناس بحبه للفن!