إذ نواصل الحديث عن التوصيف الصحيح لجرائم الإرهاب الدولى، وتطوير الفكر القانونى والقضائى بما يتناسب مع هذا التوصيف، نرى أن الاختصاص بنظر جرائم الإرهاب الدولى ينبغى أن ينعقد للقضاء العسكرى. ويبدو لنا مستغرباً منازعة البعض فى اختصاص القضاء العسكرى بنظر جرائم الإرهاب، على الرغم من الخطورة المتعاظمة لها إلى حد تصنيفها ضمن الجيل الرابع من الحروب. وحسناً فعلت المادة 204 من الدستور المصرى الحالى لعام 2014م، بنصها على جواز محاكمة المدنى أمام القضاء العسكرى «فى الجرائم التى تمثل اعتداءً مباشراً على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما فى حكمها، أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك، أو معداتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية، أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد، أو الجرائم التى تمثل اعتداءً مباشراً على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم. ويحدد القانون تلك الجرائم..».
وفى الفترة التى اشتدت فيها الهجمات الإرهابية ضد المنشآت العامة والحيوية، صدر القرار بقانون رقم 136 لسنة 2014 فى شأن تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية، والذى تم العمل به لمدة عامين فقط، ونص فى مادته الثانية على أن «تخضع الجرائم التى تقع على المنشآت والمرافق والممتلكات العامة المشار إليها فى المادة الأولى من هذا القرار بقانون لاختصاص القضاء العسكرى، وعلى النيابة العامة إحالة القضايا المتعلقة بهذه الجرائم إلى النيابة العسكرية المختصة». وقد نازع أحد المتهمين بجرائم الإرهاب فى دستورية هذا القانون أمام محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية، حيث طعن فى القرار الصادر عن المحامى العام الأول لنيابات الإسكندرية والبحيرة بإحالة أوراق القضية رقم 13838 لسنة 2013 جنايات قسم دمنهور إلى القضاء العسكرى بالإسكندرية للاختصاص، مدعياً أن هذا القرار بقانون تحايل على الدستور، إذ نص على أن شبكات الكهرباء والحدائق والمدارس والمبانى العامة وغيرها تعد فى حكم المنشآت العسكرية، وهى ليست كذلك، لأنها ليست ملكاً للقوات المسلحة. وأضاف المدعى أن قرار إحالته للقضاء العسكرى يخالف الدستور لأنه يحرمه من محاكمته أمام قاضيه الطبيعى، وأن القضاء العسكرى يفتقر إلى الكثير من الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة والمنصفة، حيث تخضع لسلطة وزير الدفاع، فضلاً عن أن الجرائم المنسوبة إليه لا تتعلق بالقوات المسلحة.
وحسناً فعلت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية برئاسة المستشار محمد عبدالوهاب خفاجى فى حكمها الصادر بتاريخ 16 يناير 2015م، بتأكيدها على اختصاص القضاء العسكرى بنظر الجرائم التى تقع على المنشآت العامة والحيوية. وفى تسبيب هذا القضاء، تقول المحكمة إن «إسناد أمر تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية فى الدولة إلى القوات المسلحة بجانب هيئة الشرطة المنوط بها أصلاً ذلك، وقيام القوات المسلحة بحماية هذه المنشآت بواسطة الآليات والمدرعات والمعدات الخاصة بالقوات المسلحة وجنود وضباط تلك القوات لا شك أنه يغير من وصف وطبيعة المنشآت العامة ويجعلها فى حكم المنشآت العسكرية ذلك أن حمايتها بواسطة هيئة الشرطة يختلف تماماً عن نزول القوات المسلحة من معسكراتها وثكناتها إلى تلك المنشآت العامة والحيوية الواقعة فى قلب المدن والقرى، مما لا يستقيم معه القول بأن تلك المنشآت مدنية ولا تأخذ حكم المنشآت العسكرية، سيما أن الاعتداء على أى فرد من أفراد القوات المسلحة بجنودها وضباطها أسند الدستور الاختصاص بالتحقيق فيها إلى القضاء العسكرى، مما يجعل تلك المنشآت العامة المشمولة بحماية القوات المسلحة فى حكم المنشآت العسكرية والتى يشكل الاعتداء عليها جريمة يختص بالفصل فيها القضاء العسكرى دون غيره طبقاً للدستور». وتضيف المحكمة أن ما ذكره المدعى من أن القرار بقانون رقم 136 لسنة 2014 قد تضمن تحايلاً على أحكام الدستور فى تحديد طبيعة المنشأة التى تأخذ حكم المنشآت العسكرية بصفة مؤبدة، مردود عليه بأن القرار بقانون نص على أن يكون العمل به لمدة عامين فقط من تاريخ سريانه، ومن ثم فهو قرار بقانون مؤقت بطبيعته وليس مؤبداً، وهذا التأقيت لمواجهة الظروف التى تمر بها البلاد لمحاربة الإرهاب وهدم كيان الدولة، يجعله لا يتصادم مع النص الدستورى الوارد فى المادة 97 من أنه لا يحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعى. وبهذه المثابة، فإن تأقيت القرار بقانون بمدة السنتين كان بدافع الحرص على المصلحة الاجتماعية للوطن التى تتمثل فى الحفاظ على السلامة القومية للدولة ومجابهة المخاطر التى تعترضها وتنال من كيان الدولة واستقرارها والحيلولة دون انهيارها، وهو ما يستلزم إسناد الاختصاص بنظر جرائم الاعتداء على المنشآت العامة والحيوية المشمولة بحماية وتأمين القوات المسلحة إلى القضاء العسكرى.. وللحديث بقية.