لم يترك القرار الأمريكى بشأن القدس أمام الفلسطينيين إلا طريق الانتفاضة الشعبية السلمية بعد أن سد القرار وبيان مندوبة الولايات المتحدة أمام مجلس الأمن كل الطرق الأخرى.
ليس مطلوباً قرارات الشجب والاستنكار والإدانة، فجميعها ذهبت بنا إلى المصير الأسوأ دائماً، ومنذ وعد بلفور قبل مائة عام وحتى الآن نعيش مرحلة خسائر دائمة، باستثناء عام 1973.
الانتفاضة الفلسطينية السلمية فى عام 1987، أرسلت أبوعمار (رحمة الله) إلى غزة وأريحا وأسّست أول مظاهر الدولة الفلسطينية، باعتراف العالم كله الضاغط على إسرائيل.
فى الانتفاضة الأولى، التى اشتُهرت عالمياً باسم «انتفاضة الحجارة» حافظ المنتفضون على وسيلتهم، ولم يستخدموا سوى الحجارة فى مواجهة الوحشية والبربرية الصهيونية.
الانبهار الذى أصاب العالم وخلق حالة كونية من التعاطف مع الشعب الفلسطينى كان فى إصرار الشباب والأطفال والنساء على التمسّك بحجارتهم وسيلة للثورة فى مواجهة آلة الحرب الصهيونية.
بلغت شعبية الانتفاضة الفلسطينية أن استخدمت وسائل الإعلام الدولية كلمة الانتفاضة بنُطقها العربى وكتبتها بكل حروف العالم واستخدم السياسيون النطق العربى للكلمة «Intefada».
المنتفضون للشعارات الجذابة لم ينساقوا أو يخضعوا لاستفزازات صور الضرب وتكسير عظام الأطفال أو الاعتداءات الوحشية على البنات والأمهات، ولم يُطلق صاروخ أو طلقة بندقية واحدة.
الانتفاضة السلمية خلقت حالة شعبية من التعاطف غير مسبوقة مع الشعب الفلسطينى، حتى إن عواصم أوروبية عدة شهدت مؤتمرات للتضامن مع الشعب الفلسطينى وحق الدولة المستقلة.
المناخ الدولى الآن فى حالة اتزان ورافض للقرار الأمريكى والمواقف تراوح بين القدس عاصمة موحّدة لدولتين أو مقسّمة إلى شرقية فلسطينية وغربية إسرائيلية.
الالتزام بسياسات البناء على الأرض عبر سلسلة من المواقف المتصلة تبدأ بانتفاضة فلسطينية سلمية جديدة قادرة على التفاعل مع الموقف الدولى ستخلق حتماً نتائج إيجابية.
التفكير فى إطلاق صواريخ أو استخدام عمليات تفجير وخلافه شعارات مضللة وستوقع أبلغ الضرر بالقضية الفلسطينية وستعيد قلب الموازين وتربك الحالة المعادية للقرار الأمريكى.
انتفاضة «Intefada» جديدة رداً على قرار الرئيس الأمريكى ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل والحفاظ على سلميتها، بداية النجاح فى إسقاط هذا القرار الاستعمارى.
تماسك الشعب الفلسطينى وتوحّد كل قواه المجتمعية، مسلمين ومسيحيين، فى مواجهة القرار، سيدفع القيادة الفلسطينية فى الاتجاه الصحيح، وسيُلزم القادة العرب بإجراءات ملائمة.
مؤتمر وزراء الخارجية العرب انعقد وشهد مزاد توصيفات لفظية وتحليلات سياسية للقرار الأمريكى ومخاطره، مستبعداً من الخطاب الحلول العسكرية، ومتمسكاً بالحل السلمى والمطلوب الأهم سياسات على الأرض متراكمة ومتصاعدة داعمة للحق الفلسطينى.
الموقف الأمريكى واضح، فيتو على دور المجتمع الدولى فى القضية الفلسطينية، لا حلول تعترض عليها إسرائيل، لا حلول دولية وإنما بالاتفاق بين البلدين، لا مجال لفرض موقف على إسرائيل.
إذاً الإدارة الأمريكية حدّدت هدفها ووسائلها، والكرة فى ملعبنا الآن لنُحدّد ماذا نريد وكيف نحقق ما نريده؟
الانتفاضة السلمية عام 1987 انتهت إلى أول خطوة فى الدولة الفلسطينية، فهل سينجح الشعب الفلسطينى فى انتفاضة سلمية جديدة بعد 30 عاماً تذهب به إلى الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية؟